مال وأعمال

ترامب VS شي.. من كسب الجولة؟ ومن دفع الثمن؟

نشر
Camil Bou Rouphael
بعد شهرين من التراشق التجاري والتصعيدات المتبادلة، أطلّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من لندن ليُعلن التوصّل إلى اتفاق جديد مع الصين يعيد ضبط العلاقات الاقتصادية بين القوتين.
لكنّ محللين وخبراء تساءلوا عن فاعلية الإستراتيجية التي اعتمدها ترامب منذ بداية الأزمة، معتبرين أن الاتفاق لا يشكّل تقدّماً فعليًا، بل مجرّد "تراجع تكتيكي" يُعيد الطرفين إلى المربع الأول.
وقد عكست هذه الانتقادات ما جاء في عدد من المقالات التحليلية، من بينها مقالة رأي نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال".
الاتفاق، الذي جاء بعد مفاوضات استمرت 25 ساعة على مدار يومين، هدف إلى إخماد مواجهة تجارية كانت تهدد بتقويض سلاسل التوريد العالمية وإلحاق الضرر بالصناعات الأميركية والصينية على حدّ سواء.
ووفقًا لما كشفه وزير التجارة الأميركي، هوارد لوتنيك، وافق ترامب على تخفيف لهجته تجاه الصين من أجل إنجاز الصفقة، وهو ما أفضى إلى اتفاق "مصافحة" يعيد العلاقة التجارية إلى ما كانت عليه قبل انفجار الخلاف في أبريل.
وبموجب الاتفاق، ستخفف الصين من قيودها على صادرات المعادن النادرة والمغناطيسات لـ6 أشهر، في حين سترفع واشنطن بعض القيود على صادراتها إلى بكين، منها صادرات الإيثان وقطع غيار المحركات النفاثة، مع إبقاء حظرها على الرقائق المتقدمة.
فما الذي نصّ عليه الاتفاق تحديدًا؟ وما هي الانعكاسات المتوقعة لهذا الاتفاق الهش على الاقتصاد العالمي وسوق الطاقة وسلاسل التوريد؟

اعرف أكثر

اتفاق "المصافحة" يعيد الطرفين إلى ما قبل الأزمة

أعلن ترامب، الأربعاء، أن الاتفاق التجاري مع الصين أصبح "منجزًا" بانتظار موافقته وموافقة نظيره الصيني شي جين بينغ.
وأكّد ترامب أن الاتفاق، الذي تم التوصّل إليه بعد محادثات ماراثونية في لندن، ينصّ على استئناف الصين لتصدير المعادن النادرة والمغناطيسات المرتبطة بها، الضرورية لمصنّعي السيارات وغيرهم من المنتجين في الولايات المتحدة.
وفي المقابل، قال ترامب إن بلاده ستوفّر للصين ما تمّ الاتفاق عليه، بما في ذلك منح تأشيرات للطلاب الصينيين للدراسة في الجامعات الأميركية.
وفي منشور على منصة "تروث سوشال"، عبّر ترامب عن ارتياحه لوجود الطلاب الصينيين في الجامعات الأميركية، قائلاً: "لطالما كان وجودهم جيدًا بالنسبة لي".
وأضاف لاحقًا أن الاتفاق يُمثّل "فوزًا كبيرًا" للبلدين، متعهدًا بالعمل مع الرئيس الصيني لفتح السوق الصيني أمام التجارة الأميركية.

بنود الاتفاق: إزالة متبادلة لبعض القيود بلا خفض للرسوم الرئيسية

بموجب الاتفاق الجديد، ستُبقي الولايات المتحدة على رسم جمركي بنسبة 55% على المنتجات الصينية، في حين ستفرض الصين ضريبة استيراد بنسبة 10% على المنتجات الأميركية، بحسب ما أعلنه ترامب.
ورغم أن هذه المعدلات تظلّ أعلى مما كانت عليه قبل تولّي ترامب الرئاسة، إلا أنها أقلّ من مستويات الرسوم المئوية الثلاثية التي فُرضت في الربيع.
وزير التجارة الأميركي، هوارد لوتنيك، أعلن ما وصفه باتفاق "مصافحة" لتطبيق اتفاق جنيف الذي تم التوصّل إليه في 12 مايو، والذي دعا إلى خفض الرسوم الجمركية واتخاذ خطوات إضافية لتسهيل التجارة.
وقال لوتنيك: "لقد توصّلنا إلى إطار لتنفيذ توافق جنيف والمكالمة الهاتفية بين الرئيسين"، في إشارة إلى محادثة جرت بين ترامب وشي في 5 يونيو.
وأضاف: "أعتقد أن ذلك مفيد جدًا للولايات المتحدة الأميركية، كما أنه مفيد جدًا للصين واقتصادها".
وأكد لوتنيك أن الصين وافقت على السماح فورًا بترخيص الشركات الأميركية التي تطلب الحصول على مغناطيسات ومعادن نادرة تُستخدم في صناعة الإلكترونيات والسيارات وصبغات التصوير بالرنين المغناطيسي ومحركات الطائرات النفاثة.
وفي المقابل، سترفع الولايات المتحدة بعض قيودها على الصادرات، بما في ذلك الإيثان، مع استثناء الرقائق المتقدمة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والتي تعتبرها الإدارة خطرًا على الأمن القومي إذا حصلت عليها الصين.

معادن نادرة ومغناطيسات ثمينة.. بين السلاح والاحتياج

عندما لوّحت الصين ببطاقة المعادن النادرة، فهمت الإدارة الأميركية الرسالة. فهذه الموادّ التي تعدّ شريانًا رئيسيًا في صناعات السيارات، والطاقة، والدفاع، والإلكترونيات المتقدمة، أصبحت أداة تفاوضية شديدة التأثير في يد بكين.
وقد نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر مطلعة أن الصين وافقت ضمن اتفاق لندن على استئناف تصدير مغناطيسات الأرض النادرة والمعادن الحيوية للشركات الأميركية، لكنها حددت فترة السماح بـ6 أشهر فقط.
أما هوارد لوتنيك، وزير التجارة الأميركي، فقد قال لقناة سي أن بي سي إن "الصينيين كانوا يبطئون عملية التسليم"، مضيفًا أن بلاده ردّت بإجراءات مضادة: "كنا في حالة من الإزعاج المتبادل المؤكد".
وتابع لوتنيك: "عندما سحبوا ورقة المغناطيسات، قلنا لهم ببساطة: لا يمكنكم فعل ذلك بأميركا".
وتشير المعطيات إلى أن الصين تمتلك موقعًا متقدمًا في هذا المضمار؛ إذ تُعدّ المورد الأول عالميًا للمعادن المستخدمة في تصنيع محركات الطائرات، والأجهزة الطبية، والهواتف، والسيارات الكهربائية، والتوربينات الهوائية.
ووفقًا لما ورد في "وول ستريت جورنال"، فإن إبطاء بكين لوتيرة تصدير هذه الموادّ دفع شركات السيارات الأميركية إلى دق ناقوس الخطر، ما عجّل باستئناف المفاوضات.
وفي مقابل استئناف تصدير المغناطيسات، وافقت الولايات المتحدة على رفع قيود كانت فرضتها على صادراتها من الإيثان المستخدم في صناعة البلاستيك. وصرّح لوتنيك بأن بلاده تمدّ الصين بنسبة 98% من حاجتها من الإيثان، مضيفًا: "تخيل أن تحاول إدارة اقتصاد بدون بلاستيك".
غير أن الاتفاق استثنى الرقائق الإلكترونية المتقدمة، التي ما زالت واشنطن تعتبرها من ضمن الصناعات ذات الحساسية الأمنية العالية. وقد أوضح لوتنيك أن القيود على هذه الرقائق باقية لأنها "تمس الأمن القومي الأميركي في حال وصلت إلى الصين"، وفقًا لما نقلته عنه شبك سي أن بي سي.
لكن تقارير أخرى، ومنها مقال رأي نُشر في نيويورك تايمز، تساءلت عن الجدوى الفعلية لهذا التفاهم، معتبرة أن ما تحقق لا يعدو كونه "عودة إلى ما قبل الأزمة"، وأن ترامب قد يكون "عاد إلى النقطة التي بدأ منها" من دون مكاسب حقيقية.

صفقات تعليمية وتنازلات مؤقتة.. على حساب الأمن القومي؟

من بين البنود التي فجّرت الجدل في الاتفاق الأميركي-الصيني الأخير كان قرار إدارة ترامب إلغاء القيود التي كانت قد فُرضت على منح التأشيرات للطلاب الصينيين، حتى لأولئك المرتبطين بعائلات مسؤولي الحزب الشيوعي.
وقد شكّلت هذه الخطوة تحوّلًا لافتًا في سياسة واشنطن، إذ كانت الإدارة قد برّرت سابقًا تلك القيود بأنها ضرورية لحماية الأمن القومي.
ووفقًا لما نشرته وول ستريت جورنال، فإن إدارة ترامب رأت في هذه التأشيرات ورقة مساومة حصلت مقابل تسهيلات صينية في ملف المعادن النادرة.
أما الرئيس الأميركي نفسه، فقد كتب على منصته في وسائل التواصل أن الاتفاق شمل "توفير كامل للمغناطيسات، وأي معادن نادرة ضرورية، مقدّمة من الصين"، مضيفًا: "سنوفّر لهم بالمثل ما تم الاتفاق عليه، بما في ذلك السماح للطلاب الصينيين باستخدام جامعاتنا وكلياتنا، وقد كان ذلك دائمًا مقبولًا بالنسبة لي"، على حدّ تعبيره.
لكن هذا التراجع لم يمر من دون انتقادات. فقد أشار معهد "Mercatus Center" في واشنطن، إلى أن إدارة ترامب بدت وكأنها "افتقرت إلى خطة حقيقية"، وتساءلت الباحثة في المركز، فيرونيك دو روغي، عن المكاسب الفعلية التي تحققت من كل التصعيد السابق، قائلة: "ما الذي نحصل عليه الآن ولم نكن نحصل عليه سابقا؟".
من جهتها، حذّرت المسؤولة السابقة في المفاوضات التجارية الأميركية ونائبة رئيس "جمعية آسيا"، ويندي كتلر، من أن إدراج ملفّات التعليم ضمن مقايضة اقتصادية قد يشكّل سابقة خطيرة.
وقالت إن "قضايا الأمن القومي كانت دائمًا مستثناة من المقايضات، ولكن يبدو أن هذا المبدأ قد تم التخلي عنه"، وفق ما نقلت عنها "نيويورك تايمز".
وأضافت كتلر أن السماح بهذه التنازلات قد يفتح الباب أمام الصين لطلب تنازلات مماثلة في المستقبل.
أما لوتنيك، فقد دافع عن الاتفاق، معتبرًا أن "ترامب فقط هو من يستطيع إنشاء بيئة إيجابية لعقد صفقة بهذه الطريقة".

من يربح ومن يخسر؟ الصناعات بين قبضة بكين وضغط ترامب

رغم الاحتفاء الأميركي بالاتفاق كـ"نصر تكتيكي"، فإن تداعيات القيود التجارية المتبادلة في الأشهر الماضية تركت أثرًا واضحًا على الصناعات في كلا البلدين.
وفيما حاولت إدارة ترامب الإيحاء بأن واشنطن تحتفظ بأوراق القوة، أظهرت الوقائع أن الصين نجحت في استخدام "ورقة المعادن النادرة" للضغط في الاتجاه المعاكس.
فقد دفعت القيود الصينية على تصدير المغناطيسات والمعادن النادرة بصناعات أميركية حساسة، مثل صناعة السيارات والطائرات والمعدات العسكرية، إلى حالة من الارتباك، وصلت حدّ التهديد بإيقاف خطوط إنتاج أو تقليصها، بحسب ما كشفه تقرير نيويورك تايمز.
وأدى ذلك إلى تحركات ضغط من كبريات الشركات الأميركية على البيت الأبيض للتراجع عن بعض القرارات.
من جهة أخرى، لم تكن الضغوط الأميركية أقل تأثيرًا على الاقتصاد الصيني.
فالتقارير تشير إلى أن الحدّ من تصدير موادّ مثل الإيثان، الذي تحتاجه بكين في صناعات البتروكيماويات، تسبب في اضطرار الشركات الصينية للبحث عن بدائل مكلفة من دول أخرى.
ورغم ذلك، قال محللون من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن (CSIS) إن هذه الضغوط لم تنجح في إضعاف موقف الصين كما توقعت واشنطن.
الخبير الاقتصادي في CSIS، فيليب لاك، اعتبر أن القيود الأميركية على صادرات الإيثان لم تحقق الحدّ الأدنى من أهدافها.
وكتب أن هذه القيود "أضرت بالمنتجين الأميركيين أكثر من إضرارها بالصينيين، كما قوضت أجندة إدارة ترامب حول الهيمنة في قطاع الطاقة". وأضاف أن هذه الرسالة قد تُفهم لدى الحلفاء على أنها دليل بأن "واشنطن لا يُعوّل عليها حتى في أسواق السلع غير السياسية".
أما الباحثة إيلاريا ماتسوكو من المركز نفسه، فلفتت إلى أن الرهان على "ضعف الاقتصاد الصيني القائم على التصدير" لم يكن في محله، قائلة إن الصين "تحمّلت الكثير من الألم، وربما أكثر مما تتحمله الولايات المتحدة"، مشيرة إلى أن بكين استخدمت أدوات تصديرها كوسيلة ضغط فعالة للمرة الأولى.

سابقة خطيرة؟

أثار الاتفاق الجديد تساؤلات حول الثمن الذي دفعته واشنطن مقابل استعادة الإمدادات الصينية من المعادن الحيوية.
وبحسب المحللة التجارية ويندي كتلر، فإن رفع القيود عن تأشيرات الطلاب الصينيين، بعد أن كانت أداة ضغط مصنفة تحت "الأمن القومي"، يُعد تحولًا في الموقف الأميركي التقليدي.
كتلر، التي شغلت سابقًا منصب مفاوضة تجارية باسم الولايات المتحدة، اعتبرت في تصريح لـ"نيويورك تايمز" أن "هذه المسائل (المتعلقة بالأمن القومي) أبقيت عمدًا خارج طاولة المفاوضات على مدى سنوات"، لأن واشنطن كانت تُصرّ على أنها "ليست قابلة للمقايضة". لكنها حذّرت من أن "التراجع عن هذا المبدأ قد يفتح الباب أمام الصين للمطالبة بمقايضات مماثلة مستقبلًا".
وفي مقالة رأي نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، ورد أن بكين قد تفسّر هذه الخطوة كإشارة ضعف، وربما كموافقة ضمنية على إدخال إجراءات أمنية ضمن المقايضات التجارية. كما اعتبر المقال أن استخدام ترامب للقيود على الصادرات باعتبارها ورقة اقتصادية، لا أمنية، قد يُشجّع دولًا أخرى على التشكيك في مصداقية المواقف الأميركية حول حماية التكنولوجيا.
وقد جاء ذلك على لسان الكاتب في الصحيفة، الذي رأى أن الإدارة الأميركية قد "دفعت ثمنًا باهظًا" لاستعادة الوصول إلى المغناطيسات والمعادن النادرة الصينية. وكتب: "إعادة تعريف أدوات الأمن القومي كمجرد أدوات مقايضة اقتصادية يُعد سابقة خطيرة".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة