ميتا وآبل تتنافسان على عيوننا.. هل أنت مستعد للرؤية؟
هل تخيّلت يومًا أن تكون نظارتك قادرة على الإجابة، الترجمة، التوصيف، والتقاط اللحظة قبل أن ترفع إصبعك؟
ليست مشاهد من أفلام الخيال العلمي، بل مشهد من سوق التكنولوجيا اليوم، تقوده نظارات ذكية مزوّدة بكاميرات، وسماعات، ومساعدات رقمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
لكن خلف هذه القفزة التكنولوجية، تقف قوة سوقية هائلة، لا يُسلّط عليها الضوء كثيرًا: اسمها EssilorLuxottica، الشركة التي تملك ماركات مثل Ray-Ban وتتحكم بسلسلة الرؤية من العدسة إلى الوجه.
ففي وقت تتعاون Meta مع Ray-Ban لإنتاج نظارات ذكية بقدرات سمعية وبصرية، تستعد Apple بدورها للدخول بخطوة مدروسة: معالجات صغيرة، استهلاك منخفض، ووعد بتجربة "أكثر أناقة" في المستقبل القريب.
لكن، ورغم كل البريق، لا تزال هذه النظارات بعيدة عن أن تكون منتجًا ضروريًا في حياة المستهلك. فبين محدودية التطبيقات، ومشكلات الخصوصية، وعمر البطارية، تبرز أسئلة حقيقية:
هل هذه المنتجات للعرض فقط؟ أم أنها الخطوة الأولى نحو منظومة رقمية تُنقل من الجيب إلى الوجه؟
إمبراطورية خفية فوق عيوننا
خلف الكواليس، تتحكم شركة واحدة بمعظم ما نضعه على وجوهنا لنرى بوضوح، أو لنظهر بمظهر عصري.
شركة EssilorLuxottica هي من تقف وراء علامات شهيرة مثل Ray-Ban وOakley، لكنها أيضًا تصنّع وتوزّع عدسات النظر وتدير آلاف فروع النظارات في العالم.
التقرير الذي نشرته Fortune يكشف أن هذه الشركة لا تكتفي بإنتاج النظارات، بل تسيطر على سلاسل التوريد والتوزيع والتسويق، بل وحتى تحديد الأسعار.
هذا يجعلها في موقع قوة أمام شركات التكنولوجيا الكبرى مثل Meta وApple، التي لا يمكنها دخول سوق النظارات الذكية من دون التعاون مع "الإمبراطورية البصرية" هذه، أو على الأقل منافستها ببطء من خارجها.
شركة Meta نفسها لم تصنع نظارات Ray-Ban Meta من الصفر، بل دخلت في شراكة واضحة مع EssilorLuxottica. فهي لا تملك خبرة في تصميم الإطارات أو توزيعها، وإنما تملك المنصة والبرمجيات والذكاء الاصطناعي، فيما تتولى EssilorLuxottica الجانب البصري والتجاري والميداني.
ووفق تقرير Fortune، فإن هذا الوضع يضع EssilorLuxottica في موقع سلطة غير مرئية على تطوّر هذه التكنولوجيا، نظرًا لتحكمها بالشكل، بالتصنيع، وبقنوات البيع، ما قد يمنحها الكلمة الأخيرة في توقيت وشكل انتشار النظارات الذكية.
كيف يقتحم الذكاء الاصطناعي النظارات الذكية؟
قبل سنوات قليلة، كانت فكرة ارتداء نظارات يمكنها التحدث والتقاط الصور والاستجابة للصوت أقرب إلى الخيال العلمي منها إلى الواقع. أما اليوم، فقد أصبح الذكاء الاصطناعي العنصر الحاسم في تحويل النظارات الذكية من مجرد أدوات للعرض أو التصوير إلى رفيق يومي ذكي.
في تقريرها، تستعرض The Verge كيف أصبحت نظارات Ray-Ban Meta الجديدة قادرة على وصف ما تراه بعدسة الكاميرا، بل وتقديم تفسيرات شاملة للمحيط بصيغة تساعد المستخدمين ذوي الإعاقات البصرية.
تقول الشركة إن هذه الميزة صُممت خصيصًا لمساعدة المكفوفين وضعاف البصر، لكنها متاحة لجميع المستخدمين في الولايات المتحدة وكندا، وستتوسع لاحقًا.
الميزة لا تقتصر على الوصف البصري. باستخدام الأوامر الصوتية مثل "Hey Meta"، يستطيع المستخدم أن يسأل عن أي شيء: من الطقس، إلى ترجمة لافتة بلغات أجنبية، أو حتى طلب وصف دقيق لمشهد طبيعي أمامه، مثل عشبٍ "مشذّب بعناية" في حديقة مائية.
لكن الذكاء الاصطناعي في هذه النظارات لا يزال محدودًا في بعض النواحي. لا يمكن استخدامه لطلب الاتجاهات أو جدولة المواعيد أو إرسال رسائل بالصوت فقط كما في Siri أو Google Assistant.
ويعود ذلك إلى اعتماد النظارات على تطبيق Meta View الخاص بها، بدلًا من التكامل العميق مع الهاتف الذكي.
ورغم هذه القيود، فإن القدرة على تلقي ردود وصفية فورية وتمكين ذوي الإعاقة من الوصول إلى المعلومة بالصوت عبر كاميرا مثبتة على الوجه، تُظهر كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي وظيفة النظارات من أداة للزينة إلى أداة للعيش.
ماذا تقدم Ray-Ban Meta فعلًا؟
رغم الوهج الإعلامي الذي رافق إطلاق نظارات Ray-Ban Meta، إلا أن التجربة الواقعية تطرح سؤالًا جوهريًا: هل نحن أمام ثورة تكنولوجية جديدة، أم مجرد أداة عصرية لا تتجاوز حدود الترف؟
تقرير Android Police يقدّم إجابة واضحة: النظارات تبدو رائعة، وتمنحك شعورًا أنك ترتدي شيئًا عصريًا بالفعل، لكنّها أقرب إلى كونها "لعبة تقنية" منها إلى منتج لا غنى عنه.
فهي تمكّنك من التقاط الصور وتسجيل الفيديو والاستماع للموسيقى والتحدث مع مساعد ذكي، كل ذلك من دون إخراج هاتفك من الجيب. لكنها لا تقدّم تجربة أفضل من الهاتف الذكي نفسه في أي من هذه الوظائف.
ورغم أن التحكم الصوتي واللمسي مدمج بشكل سلس في التصميم، إلا أن محدودية التوافق مع التطبيقات الشائعة مثل Gmail، FaceTime، والتقويمات اليومية، تجعل النظارات تعيش، وفق التقرير، في "جزيرة معزولة" عن بقية منظومة المستخدم الرقمية.
أما من الناحية التقنية، فهي تضم كاميرا بدقة 12 ميغابكسل، ومكبّرات صوت مدمجة، ووحدة تحكم لمسية، وسعة تخزين داخلية 32 غيغابايت. لكن جودة الصور، بحسب المراجعة، لا تقارن بما تلتقطه الهواتف الحديثة.
الصور تميل إلى الدفء الزائد، والتشويش في الإضاءة المنخفضة، وغياب التوازن اللوني. بل أن النظارات لا تلتقط إلا بالوضع العمودي فقط، ما يُعدّ قيدًا غريبًا لمحتوى الفيديو والمشاهد الطبيعية.
ومع ذلك، فإن النظارات لا تزال تخاطب فئة من محبي التجربة التقنية، خاصة أولئك الذين يريدون نظارات شمسية أنيقة بوظائف إضافية، ولو كانت محدودة. سعرها يتجاوز نظارات Ray-Ban التقليدية بمئة دولار على الأقل.
بين آبل وميتا.. سباق النظارات الذكية يبدأ من الشرائح
فيما لا تزال نظارات Ray-Ban Meta تحاول إثبات جدواها، يبدو أن المنافسة بدأت تشتد مع دخول لاعب تقني ثقيل الوزن: شركة آبل.
بحسب تقرير Bloomberg الذي استند إلى تسريبات من مصادر داخلية، تعمل آبل على تطوير أول نموذج من نظاراتها الذكية، وقد بدأت فعلًا بتصميم شريحة مخصصة لتشغيل هذا الجهاز الجديد.
ما يميز هذه الخطوة هو أن الشريحة ستكون مستوحاة من رقائق Apple Watch، المعروفة بصغر حجمها وكفاءتها العالية في استهلاك الطاقة، وهي ميزة أساسية لأي جهاز يُرتدى على الوجه.
التقرير يؤكد أن الشريحة المصممة خصيصًا لنظارات آبل ستتحكم بعدة كاميرات مدمجة في النظارات، في أول تأكيد غير مباشر على أن آبل تخطط لدمج كاميرات ذكية في منتجها المرتقب.
أما الجدول الزمني المتوقع، فيشير إلى أن إنتاج هذه الشريحة قد يبدأ بحلول نهاية 2026، ما يعني أن طرح النظارات في السوق قد يتم خلال العامين المقبلين، إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها.
ومع تصاعد التوقعات عن إصدار جديد من نظارات ميتا مزوّد بشاشة عرض هذا العام، يصبح السباق بين العملاقين أكثر سخونة.
أهمية هذه المعلومات لا تقتصر فقط على بُعدها التنافسي، بل تكشف أيضًا عن مرحلة جديدة في تصميم النظارات الذكية: الانتقال من دمج ميزات سطحية إلى بناء بنية تحتية تقنية متكاملة تبدأ من المعالج نفسه.
نظارات ذكية وذكاء بصري.. ثورة الإتاحة تبدأ من العيون
في تحول لافت، بات الذكاء الاصطناعي في النظارات الذكية يُوظف ليس فقط للترفيه والتصوير، بل لتوسيع إمكانيات الوصول لذوي الإعاقات البصرية، عبر وظائف مدعومة بالكاميرا والمساعد الذكي.
بمناسبة "اليوم العالمي لإتاحة التكنولوجيا"، أعلنت ميتا عن تفعيل ميزتين جديدتين على نظارات Ray-Ban Meta لمساعدة المستخدمين المكفوفين أو ضعاف البصر.
تُفعَّل الميزات من خلال إعدادات إمكانية الوصول في تطبيق Meta View، وتتيح للنظارات تقديم أوصاف أكثر تفصيلًا لما يراه المستخدم بمجرد قول "Hey Meta".
في العرض التوضيحي الذي نشرته ميتا، وُصف منتزه بجانب المياه بأنه يضم "مساحات عشبية مشذبة جيدًا"، في إشارة إلى مستوى الدقة الذي بات الذكاء الاصطناعي قادرًا على الوصول إليه.
كما أكدت الشركة أنها ستُطلق قريبًا ميزة Call a Volunteer في 18 دولة، تتيح للمستخدم الاتصال بشخص مبصر من بين أكثر من 8 ملايين متطوع حول العالم لمساعدته في مهام يومية مثل العثور على غرض على الرف أو متابعة خطوات وصفة طهو.
المتطوع يرى ما تلتقطه كاميرا النظارات مباشرة، ويوجه المستخدم صوتيًا عبر مكبرات الأذن المفتوحة.
هذه الوظائف، التي كانت إلى وقت قريب من عالم الخيال العلمي، تثير مجموعة من الأسئلة، ومنها، هل النظارات الذكية بدأت تلعب دورًا اجتماعيًا يتجاوز حدود التكنولوجيا، فتصبح أداة تمكين لا مجرد أكسسوار أنيق؟