الدولار والذهب والفضة.. أين تضع أموالك وسط نيران إيران وإسرائيل؟
في زمن الحرب والتقلبات، تتحوّل المجوهرات إلى سيولة، ويتقلب الدولار، فيما تتحرك المؤشرات والأسعار بتغريدة أو قصف أو تصريح.
هل تبيع خاتم الخطبة، أم تحتفظ بالدولار؟
بين أرفف المجوهرات ومؤشرات العملات المتقلبة، يزداد القلق. لا من يستطيع أن يفهم السوق تمامًا. الذهب، الفضة، الدولار، الأسهم، الفائدة.. كلّها تتحرّك.
في الأسبوع الأخير، أعاد قصف إسرائيل لإيران الحياة إلى الدولار، ولو مؤقتًا، بعد شهور من التراجع. لكن صورة "العملة الآمنة" لم تعد ثابتة.
- تقارير عدة، من بينها تحقيق موسّع لوول ستريت جورنال، تشير إلى أن هذه العملة التي كانت ملاذًا أكيدًا في الأزمات، بدأت تخسر من بريقها، وأن التوجّهات العالمية بدأت تميل إلى التنويع بدل الاعتماد المطلق على الدولار.
- في الوقت نفسه، عادت أسعار الذهب إلى الواجهة. ارتفعت بنحو 30% منذ بداية العام، لكنها بدأت بالتراجع هذا الأسبوع مع انحسار المخاوف من اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط، وفق بلومبرغ.
- الفضة، من جهتها، بدأت تجذب أنظار المستثمرين الصغار والكبار، خاصة مع ارتفاع سعرها بنسبة 27% هذا العام، مدفوعة بالطلب الصناعي القوي، كما أوردت وول ستريت جورنال.
وبينما تتأرجح الأسواق، تتغير قرارات الأفراد.. ما الذي يجري؟ وكيف تؤثر هذه التقلبات الكبرى على اختيارات الناس؟ هل نحمل ما نملك إلى أقرب محل ذهب، أم نراهن على عودة الدولار، أم نحتفظ بكل شيء في ماكنه؟
"الدولار يقاتل كي يبقى محبوبًا"
بعد أشهر من التراجع، عاد الدولار ليظهر بعض القوة، بدفع من الخوف.
فقد منحه هجوم إسرائيل على إيران دفعة مؤقتة، وارتفع مؤشر ICE U.S. Dollar بنحو 1%، وفق تقرير وول ستريت جورنال.
ففي استطلاع رأي أجرته بلومبرغ، رأى أكثر من نصف المستثمرين أن استمرار الحرب في الشرق الأوسط قد يساعد الدولار في الحفاظ على دوره كملاذ آمن، لكن بشكل هش ومؤقت. فمع أن العملة الأميركية كسبت بعض الزخم هذا الأسبوع، فإنها فقدت منذ بداية العام أكثر من 11% أمام اليورو، ونحو 8% أمام الين، حسب بلومبرغ.
وتشير بيانات "بنك أوف أميركا" إلى أن مديري الصناديق العالمية يملكون اليوم أقل حصة من الدولار منذ عقدين. ويعكس هذا تحوّلًا في المزاج العام، سببه عوامل عدة أبرزها السياسات الجمركية التي أعلنها ترامب، والقلق من التضخم، وتزايد العجز الحكومي الأميركي، وفق وول ستريت جورنال.
وبينما كان من المتوقع أن تؤدي هذه الرسوم الجمركية إلى تقوية الدولار، حصل العكس. بحسب نفس التقرير، لم يستجب الدولار كالمعتاد للفروقات في أسعار الفائدة أو للمؤشرات الاقتصادية الإيجابية داخل الولايات المتحدة، ما زاد من حالة الشكوك حوله.
الذهب يخسر بريقه كلما اقترب السلام
رغم أن الذهب حقق ارتفاعًا يقارب 30% منذ بداية العام، إلا أن بريقه بدأ يخفت هذا الأسبوع مع انحسار المخاوف من حرب شاملة بين إيران وإسرائيل. فقد تراجع سعر الذهب بنحو 2% خلال الأسبوع، واستقر يوم الجمعة قرب 3370 دولارًا للأونصة، وفق بلومبرغ.
التحوّل جاء بعد تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي أشار فيها إلى أنه سيمنح الدبلوماسية أسبوعين قبل اتخاذ قرار بشأن التدخل العسكري، ما هدّأ الأسواق وخفّض الطلب على الملاذات الآمنة مثل الذهب.
إلى جانب ذلك، فإن تحذيرات رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، بشأن التضخم الناتج عن الرسوم الجمركية، زادت من صعوبة خفض الفائدة، ما شكل ضغوطًا إضافية على المعدن الأصفر الذي لا يدرّ عائدًا.
ومع أن الذهب لا يزال قريبًا من أعلى مستوياته القياسية، فإن اتجاهات المستثمرين بدأت تتغير. بعضهم بدأ ينقل أمواله نحو الفضة، كما أوردت بلومبرغ، فيما اختلفت التوقعات بشأن مستقبل الذهب. فقد أعادت غولدمان ساكس التأكيد على تقديرها بأن السعر قد يصل إلى 4000 دولار للأونصة خلال العام المقبل، في حين ترى سيتي غروب أنه قد ينخفض إلى أقل من 3000 دولار بحلول عام 2026.
وفي أسواق العقود الآجلة، تراجعت أسعار الذهب لعقود أغسطس بنحو 21 دولارًا يوم الجمعة، أي بنسبة 0.62%، بحسب Barchart. ويأتي هذا الانخفاض مع تصفية بعض المستثمرين لمراكزهم الطويلة في الذهب بعد تحسّن التوقعات الدبلوماسية.
الفضة.. من الأدراج المغلقة إلى واجهات المحال
على عكس الذهب، لم يكن تألق الفضة هذا العام مدفوعًا بالخوف وحده، بل بدفعة صناعية متزايدة، خاصة من قطاع الألواح الشمسية. فقد ارتفعت أسعار الفضة بنسبة 27% منذ بداية 2025، لتسجل أعلى مستوياتها منذ أكثر من 10 سنوات، بحسب وول ستريت جورنال.
هذه القفزة أعادت المعدن الأبيض إلى الواجهة، ليس فقط في أسواق البورصة، بل حتى في البيوت وصناديق الأمانات القديمة.
ووفقًا للتقرير، شهدت متاجر العملات والمجوهرات في نيوجيرسي وشيكاغو ونيويورك حركة نشطة من الأفراد الباحثين عن تسييل سبائكهم أو مجوهراتهم أو حتى أدوات المائدة المصنوعة من الفضة، بعد أن أصبح بيعها مجديًا.
وقال روس بيغا، مدير متجر "Harlan J. Berk" في شيكاغو، إن بعض الزبائن باعوا سبيكتين من الفضة زنة كل واحدة 1000 أونصة، وآخر باع 1500 أونصة دفعة واحدة.
كما شهد متجره زيادة في عدد المشترين الصغار الذين يشترون كميات قليلة وبانتظام خوفًا من تفويت موجة الارتفاع.
لكن الطلب لم يكن فقط من الأفراد، بل امتد إلى صناديق المؤشرات. فقد أضاف صندوق "iShares Silver Trust" نحو 11 مليون أونصة من الفضة هذا العام، بحسب وثائق الصندوق، ما يعكس الإقبال على المعدن في ظل تقلبات الأسواق.
ولم تخلُ السوق من المخاطر. وفق غريغ شيرر، رئيس أبحاث المعادن في "جي بي مورغان"، بعض الطلب الصناعي، خاصة من الصين، قد يكون جاء بشكل مسبق تحسبًا لتغييرات في السياسة التجارية الأميركية، ما قد يترك أثرًا سلبيًا على السوق في النصف الثاني من العام.
رغم ذلك، فإن عودة الفضة إلى التداول النشط بين الأفراد، سواء بالبيع أو الشراء، تعكس اتساع نطاق المشاركة في أسواق المعادن، خارج نطاق المؤسسات الكبرى.
أسواق مرتبكة.. ما مصير الأموال؟
خلال الأيام الأخيرة، بدت الأسواق المالية وكأنها تمشي على حبل مشدود.
الأسهم تتذبذب، الدولار يرتفع ثم يتراجع، الذهب يخسر بريقه، والفضة تُباع وتُشترى على عجل.
كل ذلك يحدث بينما لا تزال القرارات الكبرى، سواء في السياسة أو في البنوك المركزية، معلّقة بانتظار التصعيد أو التهدئة.
في جلسات وول ستريت الأخيرة، تأرجح مؤشر S&P 500 بين المكاسب والخسائر وسط ما يعرف بـ"السحر الثلاثي"، حيث تنتهي صلاحية عقود مالية ضخمة ترفع من التقلبات، بحسب بلومبرغ.
وفي الوقت نفسه، سجّلت السندات الأميركية قصيرة الأجل أداءً أفضل، بينما استقرت عوائد السندات لأجل عامين حول 3.94%.
هذا التقلّب يعكس تعقيدات متداخلة: من جهة، استمرار الغموض بشأن النزاع بين إيران وإسرائيل. ومن جهة أخرى، تساؤلات لا تنتهي حول توقيت خفض الفائدة الأميركية، وسط تضخم تغذّيه الرسوم الجمركية.
تصريحات عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي، كريستوفر وولر، بأن أسعار الفائدة قد تبدأ بالانخفاض في يوليو، كانت كفيلة بتحريك السوق من دون أن تُطمئنها فعليًا.
بلومبرغ وBarchart أشارا معًا إلى أن مجرّد إعلان ترامب عن نيّته تأجيل قراره بشأن التدخل العسكري لمدة أسبوعين، كان كافيًا لتقليص الإقبال على الملاذات الآمنة.
ومع كل مؤشر أو تصريح، تتحرك الأسواق بسرعة يصعب اللحاق بها، وتبقى الأصول المالية في حال من التقلّب العنيف.
حتى التقارير الاقتصادية التي صدرت هذا الأسبوع زادت المشهد غموضًا: تقرير الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا أظهر تراجعًا في النظرة المستقبلية للأعمال، ومؤشر المؤشرات القيادية الأميركية انخفض للشهر السادس على التوالي، وفق Barchart.