عروض فورد تتحدى الغلاء.. فهل تحمينا شركات السيارات من صدمة الأسعار؟
في لحظة مفصلية تشهدها سوق السيارات الأميركية، قررت شركة "فورد" تحدي العاصفة الجمركية بسياسة تسعير لافتة تحت شعار "من أميركا، لأجل أميركا"، متيحةً لموظفيها وللجمهور عروضًا خاصة حافظت على جاذبية أسعار طرازاتها، رغم ارتفاع الرسوم الجمركية المفروضة على واردات الفولاذ والألمنيوم إلى 50%.
هذه الرسوم الجديدة، التي دخلت حيّز التنفيذ مطلع يونيو بقرار مفاجئ من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تمثل تضاعفًا للرسوم السابقة التي كانت تُقدّر بـ25%.
وبينما وصفها ترامب بأنها "مسألة أمن قومي"، يحذّر المصنعون من أن الخطوة تهدد بتعقيد سلاسل الإمداد، وزيادة الأسعار، وتقويض قدرة الشركات على الحفاظ على زخم المبيعات في سوق تتباطأ أصلًا.
ورغم أن فورد تمكنت من تسجيل قفزة سنوية بلغت 16% في مبيعات مايو مدفوعة بعروضها التسعيرية، فإن علامات الاستفهام تزداد حول قدرة السوق على الصمود في الأشهر المقبلة، مع تسجيل تراجع في وتيرة المبيعات اليومية، وارتفاع الكلفة على المنتجين والمستهلكين على حد سواء.
فهل تكون فورد استثناءً؟ أم أن الرسوم الجديدة ستقود السوق نحو تباطؤ شامل؟
ارتفاع الرسوم إلى 50%.. صدمة جمركية تضرب قلب الصناعة
دخل قرار رفع الرسوم الجمركية الأميركية على واردات الفولاذ والألمنيوم إلى 50% حيّز التنفيذ، بعد أقل من ثلاثة أشهر على فرض رسوم بنسبة 25% فقط، في خطوة وصفها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بأنها "مسألة أمن قومي"، وفق ما نقلت بي بي سي.
القرار الذي أُعلن عنه في بداية يونيو، أثار حالة من القلق داخل قطاعات صناعية عدّة، لا سيما في قطاع السيارات، إذ يعتمد المصنعون الأميركيون بشكل كبير على هذه الموادّ الأساسية في عملية الإنتاج، من هياكل السيارات إلى مكوناتها الدقيقة، حسب تقرير نيويورك تايمز.
وبينما أيّدته جمعيات تمثل منتجي الفولاذ المحليين، معتبرة أنه يدعم التوظيف ويمنع إغراق السوق، فإن شركات السيارات حذّرت من تداعياته على التكاليف، سواء لتصنيع السيارات التقليدية أو الكهربائية والهجينة، وفق تقرير نيويورك تايمز.
وأكدت شركات تصنيع مثل "فورد" و"جنرال موتورز" أن التعرفة الجديدة ستؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، ما يهدد برفع أسعار السيارات على المستهلكين الأميركيين، في وقت يعاني فيه السوق من تباطؤ في الطلب، حسب GlobalData.
فورد تقاوم بالعروض.. هل تنجو من موجة الغلاء؟
في مواجهة تداعيات الرسوم الجمركية، اختارت شركة "فورد" نهجًا مختلفًا عبر تمديد برنامج "التسعير الخاص بالموظفين"، وهو عرض ترويجي استثنائي ساعد في تعزيز مبيعاتها خلال شهر مايو، مسجّلة ارتفاعًا سنويًا بنسبة 16.3%، بحسب تقرير نشرته سي إن بي سي.
هذا الأداء اللافت استند إلى زيادة بنسبة 17.2% في مبيعات سيارات فورد التقليدية العاملة بمحركات الاحتراق، وإلى قفزة تقارب 29% في مبيعات الطرز الهجينة، ما ساهم في تعويض تراجع مبيعات السيارات الكهربائية بنسبة 25%، خاصة طراز "F-150" الكهربائي.
وأشارت فورد إلى أنّ البرنامج الترويجي الذي أطلقته تحت شعار "من أميركا ولأميركا" أثبت قدرته على استقطاب المستهلكين، رغم الأعباء الجمركية وارتفاع الأسعار، مشدّدة على أن جزءًا من الزيادات السعرية على السيارات المستوردة من المكسيك يعود إلى تأثير الرسوم الجديدة.
في المقابل، توقعت شركة "Cox Automotive" أن وتيرة المبيعات في السوق الأميركي خلال مايو ستكون أبطأ مقارنةً بالزخم الذي شهده السوق في مارس وأبريل، عندما عجّل المستهلكون بقرارات الشراء تحسّبًا لارتفاع الأسعار بسبب الرسوم.
رغم ارتفاع مبيعات السيارات الخفيفة في الولايات المتحدة بنسبة 1.5% في مايو 2025 مقارنةً بالعام الماضي، فإن النمو لم يكن بالقوة المتوقعة، لا سيما عند تعديل البيانات بعدد أيام البيع، إذ تُظهر التقديرات تراجعًا سنويًا بنسبة 2.2% عند احتساب يوم البيع الإضافي، بحسب تقرير GlobalData.
كما تراجعت وتيرة البيع اليومية إلى 54.2 ألف وحدة يوميًا مقارنةً بـ56.7 ألفًا في أبريل، وانخفض المعدل السنوي المعدّل موسميًا من 17.4 مليون وحدة في أبريل إلى 15.3 مليون وحدة في مايو، ما يعكس إشارات تباطؤ واضحة في السوق، خاصة مع استنفاد الاندفاعة الشرائية التي حفّزتها الرسوم الجمركية في مارس وأبريل.
وبحسب المصدر نفسه، فإن المبيعات بالتجزئة بلغت 1.2 مليون وحدة، بزيادة 2.2% على أساس سنوي.
من الرابح؟ مبيعات فورد تقفز رغم الرسوم.. والكهربائية تتراجع
في مشهد متناقض داخل السوق الأميركية، سجلت شركة "فورد" ارتفاعًا بنسبة 16.3% في مبيعاتها خلال مايو 2025 على أساس سنوي، وفق ما نقلته سي إن بي سي، مدفوعةً ببرنامج "تسعير الموظفين" الذي أطلقته الشركة في ظلّ ارتفاع أسعار السيارات والرسوم الجمركية.
المكاسب جاءت بشكل أساسي من زيادة مبيعات السيارات التقليدية بمحركات الاحتراق الداخلي بنسبة 17.2%، وقفزة بلغت نحو 29% في مبيعات الطرز الهجينة، وهو ما عوّض التراجع الحادّ في السيارات الكهربائية، التي انخفضت مبيعاتها بنسبة 25% مقارنةً بمايو 2024، بحسب التقرير نفسه.
برنامج التسعير، الذي أطلقته فورد في مارس بالتزامن مع دخول رسوم ترامب الجمركية على السيارات المستوردة حيّز التنفيذ بنسبة 25%، ساهم في تحفيز المستهلكين على الشراء تحسّبًا لارتفاع الأسعار.
لكنّ الشركة أعلنت لاحقًا عن زيادات في أسعار بعض الطرز المستوردة من المكسيك، ووصفتها بأنها مزيج من "تعديلات موسمية" وتأثير مباشر للرسوم، وفق ما نقلته رويترز عن متحدث باسم فورد.
رغم المكاسب المسجلة لدى بعض الشركات مثل "فورد"، بدأت وتيرة مبيعات السيارات في الولايات المتحدة تُظهر بوادر تباطؤ في مايو 2025، بعد موجة شراء قوية خلال شهري مارس وأبريل، بحسب تقرير GlobalData.
ووفق التقديرات الأولية، ارتفعت مبيعات السيارات الخفيفة بنسبة 1.5% فقط على أساس سنوي لتبلغ 1.46 مليون وحدة. ولكن عند تعديل الأرقام بناءً على عدد أيام البيع، يتبين أن المبيعات تراجعت فعليًا بنسبة 2.2% مقارنةً بمايو 2024، وفق ما أورده التقرير نفسه.
كما انخفض معدل البيع اليومي من 56.7 ألف وحدة في أبريل إلى 54.2 ألف وحدة في مايو، وتراجع المعدل السنوي المعدّل موسمياً من 17.4 مليون وحدة في أبريل إلى 15.3 مليون وحدة في مايو، بحسب التقرير عينه.
وتوقع ديفيد أوكلي، مدير التوقعات في GlobalData، أن يكون هذا التراجع نتيجة موجة الشراء الاستباقي التي سببتها الرسوم الجديدة، موضحًا أن المستهلكين الذين سارعوا إلى الشراء لتفادي ارتفاع الأسعار قد أتموا عملياتهم بالفعل، مما انعكس على تباطؤ وتيرة الشراء اللاحقة.
وأشار التقرير أيضًا إلى وجود مشكلات في المخزون لدى بعض الشركات، وارتباك في استراتيجيات التعامل مع الرسوم، ما يزيد من الغموض في السوق الأميركية.
وسط تقلبات السوق وارتفاع التكاليف الناتج عن الرسوم الجديدة على الصلب والألمنيوم، برزت شركة فورد كواحدة من القلائل التي تمكنت من تسجيل مكاسب لافتة في مايو 2025، إذ أعلنت عن ارتفاع مبيعاتها بنسبة 16.3% على أساس سنوي، بحسب تقرير سي أن بي سي.
وأشارت الشركة إلى أن هذا الأداء القوي يعود إلى برنامج "التسعير للموظفين" الذي أطلقته تحت شعار "من أميركا، لأجل أميركا"، والذي تواصل حتى عطلة الرابع من يوليو، كما نقلت عنها الشبكة نفسها.
وقد ساعد البرنامج في امتصاص جزء من الصدمة الناتجة عن ارتفاع أسعار السيارات بسبب الرسوم، إضافةً إلى الزيادات المحددة على بعض الطرازات المستوردة من المكسيك بعد 2 مايو، والتي بررتها الشركة بأنها مزيج من التعديلات الموسمية وتأثير الرسوم.
وبحسب تقرير سي أن بي سي أيضًا، فقد سجلت فورد قفزة بنسبة 29% في مبيعات السيارات الهجينة، ما ساهم في تعويض تراجع بنسبة 25% في مبيعات المركبات الكهربائية، ولا سيما طراز F-150 الكهربائي، مقارنةً بمايو 2024.
ومن جهة أخرى، أظهر تقرير GlobalData أن مجموعة فورد سجلت أعلى إجمالي مبيعات شهرية لها منذ مايو 2019، بواقع 215 ألف وحدة، متقدمةً على عدد من المنافسين الكبار.
كما احتلت شاحنتها F-150 صدارة المبيعات للشهر الثاني على التوالي، بواقع 46.3 ألف وحدة، متفوقةً على طراز RAV4 من تويوتا.
في المقابل، أشار التقرير نفسه إلى أن بعض الشركات بدأت تعاني من انخفاض في المخزون وتردد في اتخاذ قرارات استراتيجية واضحة، ما أثر سلبًا على أدائها.
وتوقعت GlobalData أن تتفاقم الفروقات بين الشركات في النصف الثاني من العام، حيث تعيد كلّ منها تسعير منتجاتها لمواكبة التغيرات في بيئة التجارة.