ضربات موجعة وليست قاضية.. هل تتجه إيران لـ"أسوأ السيناريوهات"؟
وجّهت إسرائيل خلال الأيام الماضية ضربة قوية لبرنامج إيران النووي، مستهدفة منشآت استراتيجية وقتلت عدداً من كبار العلماء النوويين، في حملة عسكرية تهدف إلى إبطاء أو تعطيل قدرة طهران على تطوير سلاح نووي.
ومع ذلك، لم تصل هذه الحملة بعد إلى الهدف الأهم والأصعب: تدمير منشأة فوردو المحصّنة، التي تُعتبر جوهر البرنامج النووي الإيراني ومصدر الخطر الأكبر في حال قررت طهران الاندفاع نحو القنبلة.
بحسب مصادر إسرائيلية ودولية، استهدفت الغارات الأولى منشأة نطنز، أكبر مركز لتخصيب اليورانيوم في إيران، حيث أدّى انقطاع مفاجئ للكهرباء إلى تدمير محتمل لآلاف أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض.
وتشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن ما يصل إلى 14 ألف جهاز قد يكون تعرّض لأضرار جسيمة، خاصة أن هذه الأجهزة المعقّدة تتحطم إذا لم تُغلق تدريجياً. مسؤول إسرائيلي تحدث عن احتمال حدوث انهيار داخلي في الجزء السفلي من المنشأة، لكنه شدد على أن التقييمات لا تزال أولية.
مجمع أصفهان النووي.. سنوات للعودة
الهجوم الثاني استهدف مجمع أصفهان النووي، حيث دمّرت إسرائيل أربعة مبانٍ، بينها منشأتان أساسيتان في مسار تصنيع القنبلة النووية: الأولى لتحويل اليورانيوم إلى غاز لاستخدامه في أجهزة الطرد المركزي، والثانية لتحويل اليورانيوم المخصب إلى معدن يُستخدم في تصنيع الرؤوس النووية.
ويقدّر خبراء أن إعادة بناء هذه المنشآت قد تستغرق عاماً كاملاً ما لم تكن إيران قد خزّنت معدات احتياطية مسبقاً. وبحسب الوكالة الدولية، فإن طهران لا تملك حالياً مخزوناً من معدن اليورانيوم عالي التخصيب.
الهجوم الإسرائيلي شمل أيضاً اغتيال نحو عشرة من كبار العلماء النوويين الإيرانيين، بعضهم من الرعيل الأول الذين ساهموا في تطوير مكونات نووية سرية في سنوات سابقة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتبر أن هذه الضربات قد تؤخر إيران لسنوات في سعيها نحو السلاح النووي، إلا أن محللين يشككون في ذلك، مؤكدين أن إيران نجحت على مدى الأعوام الماضية في بناء شبكة منظمة لنقل المعرفة إلى جيل جديد من العلماء، ما يحدّ من تأثير عمليات الاغتيال على المدى البعيد.
مع ذلك، تبقى منشأة فوردو هي التحدي الأكبر، وتقع هذه المنشأة المحصّنة داخل جبل قرب مدينة قم، وتُستخدم لتخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 60%، أي خطوة واحدة فقط قبل المستوى المستخدم في إنتاج القنبلة.
ويُعتقد أن تدميرها بالكامل يحتاج إلى قنابل أميركية خارقة للتحصينات، وهو ما يثير تساؤلات حول قدرة إسرائيل على تحقيق هذا الهدف وحدها.
ويرى خبراء أن فوردو تمثّل "مركز اللعبة"، وأن استمرارها في العمل يعني أن إمكانية "الاندفاع النووي" الإيراني لا تزال قائمة.
إحدى المخاطر الكبرى التي تواجه إسرائيل الآن هي مصير مخزون إيران من اليورانيوم المخصب، والذي يُعتقد أنه يكفي لصنع نحو 10 قنابل نووية.
بعض التقارير تشير إلى أن إيران بدأت بنقل هذا المخزون إلى مواقع متفرقة لتجنّب الضربات، ما دفع إسرائيل إلى تسريع هجماتها.
ويقول ديفيد أولبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي، إن إيران يمكنها، في حال استمر تخصيب اليورانيوم في فوردو، أن تنتج ما يكفي لتسع قنابل خلال شهر واحد، و13 قنبلة بحلول نهاية الشهر الثاني.
ورغم النجاح الجزئي للحملة الإسرائيلية، فإن هناك قلقاً من أن تؤدي هذه الضربات إلى نتائج عكسية، بحيث تدفع إيران إلى طرد المفتشين الدوليين والانتقال إلى برنامج سري لتطوير السلاح النووي.
فقد حرمت إيران منذ سنوات الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى تسجيلات الكاميرات في مواقع إنتاج أجهزة الطرد المركزي، ما يزيد من الغموض حول ما تمتلكه فعلاً.
ويُحتمل أن تكون قد أخفت مئات الأجهزة المتقدمة في مواقع سرية تحت الأرض، وهو ما يتيح لها إعادة تشغيل التخصيب بسرية وبسرعة في حال توافرت المواد اللازمة.
وفي هذا السياق، يرى خبراء أن الاستخبارات الإسرائيلية قد تكون قادرة على اكتشاف مثل هذه الأنشطة في مراحلها الأولى، إلا أن عنصر المفاجأة لا يزال خطيراً.
ويقول أولبرايت إن الضربات الإسرائيلية قلّصت بالفعل قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي، لكنها لم تُبعد طهران بما فيه الكفاية عن حيازة المواد الانشطارية أو عن تصنيع القنبلة. للوصول إلى هذا الهدف، يجب تدمير منشأتَي فوردو ونطنز بالكامل، وإزالة مخزون اليورانيوم.
وتحذر سيما شاين، الرئيسة السابقة لوحدة التقييم في جهاز الموساد، من أن الفشل في تدمير القدرات الحيوية قد يُدخل إسرائيل في أسوأ السيناريوهات، وهو أن تؤدي الضربات إلى دفع إيران نحو اتخاذ قرار استراتيجي ببناء القنبلة في السر. وتقول: "إذا امتلكت إيران القدرة على فعل ذلك، فأنا على يقين أنها ستفعل".
بذلك، تكون إسرائيل قد وجّهت ضربة مؤلمة ومؤثرة، لكنها لم تحسم المعركة، ولا تزال إيران على مسار محفوف بالغموض نحو امتلاك القنبلة النووية.