"Prison Break" فرنسي بحثا عن "هاتف الإبهام"
في مشهد أقرب إلى أفلام الهوليوود، نفّذت السلطات الفرنسية هذا الأسبوع، عملية أمنية ضخمة تحت اسم "الهروب الكبير"، Prison Break، استهدفت 66 سجنا في مختلف أنحاء البلاد، في مهمة غير تقليدية هدفها مصادرة نحو 5 آلاف هاتف محمول مصغّر، لا يتجاوز حجم الواحد منها ولاعة سجائر.
جاءت العملية، التي تقودها نيابة مكافحة الجريمة المنظمة في باريس عبر قسم الجريمة الإلكترونية، Junalco، بعد تحقيقات دقيقة كشفت عن انتشار واسع لهذه الهواتف، القادمة من الصين، والتي يعاد بيعها من قبل شركة فرنسية تُدعى Oportik، يقع مقرها في مدينة درانسي بضاحية "سين-سان-دوني"، وقد حظيت بشعبية واسعة بين نزلاء السجون.
تمر هذه الهواتف الصغيرة، التي صنعت جميع أجزائها من مواد بلاستيكية من البوابات الإلكترونية، دون أن تصدر أي إنذار، وهو ما يجعلها مثالية لتهريبها إلى الزنازين.
ترويج عبر الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي
في صباح عملية المداهمة، اختفى الموقع الإلكتروني Oportik، لكن أرشيفه على الإنترنت ظل يعرض الهواتف الصغيرة على أنها "غير قابلة للكشف" ومخصصة لـ"الاحترافيين" الذين يمرون يوميا عبر بوابات أمنية.
أما على صفحات سناب شات وفيسبوك الخاص بالشركة، كانت الأمور أوضح، حيث توجد شعارات مثل "100% مخصص للسجناء"، ومقاطع فيديو من داخل الزنازين تظهر سجناء يروجون للأجهزة بعبارات، مثل "هذا الجهاز أسطوري"، "يدخل بسهولة".
الهاتف الأشهر من بين المجموعة هو Melrose S9X، ميني سمارتفون مزوّد بشاشة لمس وإنترنت، ويباع بسعر 99.90 يورو. أما النسخة الأرخص التي يبلغ طولها 6.2 سم وعرضها 2.4 سم فقط، فتسمح بإجراء المكالمات وتبادل الرسائل فقط، مقابل عشرين يورو، حسب تقرير لوموند.
وبحسب ما أفادت به صحيفة
لوموند، تم تفتيش 500 زنزانة بإذن قضائي، وتركزت عمليات البحث على هواتف تسوّقها Oportik، وتُعرف بين السجناء بلقب "هاتف الإبهام" أو حتى "اللبوس"، أي التحاميل، نظرًا للطريقة الغريبة التي يتم تهريبها بها تشمل إخفاء "الحمّالين" لهذه الأجهزة داخل أجسامهم قبل تسليمها في غرف الزيارة.
بالتزامن مع حملة المداهمات، تمّت مصادرة الموقع الإلكتروني لشركة Oportik في اليوم نفسه، بهدف تحديد هوية زبائنها، كما جرى توقيف ثلاثة من مزوّديها.
هذه الهواتف ليست للترف أو للاتصال بالعائلة، بل هي أداة إدارة أعمال إجرامية من خلف القضبان. من تهريب المخدرات إلى تنفيذ التهديدات والابتزاز، يستفيد السجناء من تكنولوجيا متاحة بحجم عقلة إصبع.
وجدت أبرز المضبوطات داخل زنزانة أحد المتهمين الثمانية في قضية إطلاق النار القاتل في حي "ليز أوبْييه" في بوردو عام 2021، إذ أعلنت النيابة العامة أمام هيئة المحلفين في محكمة الجنايات أن تفتيش زنزانة المتهم "سيسوكو" أسفر عن العثور على 52 غرامًا من الحشيش وهاتفي iPhone، أحدهما كان مخبّأ داخل عبوة معكرونة، والآخر داخل قطعة جبن في الثلاجة، إلى جانب شواحن وسماعات أذن، وفقا لموقع
France Bleu.
وبحسب نفس المصدر، أقرّ سيسوكو، الذي يُحاكم بتهمة المشاركة في تشكيل عصابة إجرامية، بالوقائع قائلا من داخل قفص الاتهام: "أعترف، لم يكن يجب أن أفعل ذلك، خصوصًا ونحن في خضم المحاكمة"، ما دفع رئيسة المحكمة إلى التنبيه على خطورة قدرة المتهمين على التواصل حتى خلال جلسات محاكمة كبرى.
تجارة الهواتف المهربة تكشف شبكة عابرة للحدود
بدأ التحقيق من منطقة سين سان دوني، حيث تتبعت الشرطة الإلكترونية خيوط تجارة الهواتف، قبل أن تتسع الدائرة لتشمل سجون فرنسا كلها، بمشاركة الشرطة الوطنية، ضمن تحقيقات تتعلق بتشغيل منصات تجارية غير قانونية وتبييض أجهزة مرتبطة بجرائم.
ولم تقف المسألة عند فرنسا فقط، إذ دخلت الوكالة الأوروبية للتعاون القضائي (Eurojust) على الخط، وأبلغت دولا أوروبية أخرى بالطريقة التي يتم بها تهريب واستخدام هذه الهواتف، تمهيدا لعمليات مشابهة في بلدانهم. وتباع هذه الهواتف، المنتشرة أيضا عبر مواقع مثل أمازون وعلي إكسبرس وحتى Fnac، عالميا وتُستخدم في أغراض مشبوهة، بما فيها خاصية "تغيير الصوت أثناء المكالمة"، وهي الخاصية المفضلة لدى محترفي الابتزاز، وفقا لصحيفة
لوموند.
ورغم وجود أنظمة تشويش داخل بعض السجون الفرنسية، إلا أنها لا تغطي كل المؤسسات، كما أن فعاليتها ما زالت محل شك. والأسوأ، أن الهواتف المهربة ليست فقط المصغرة، بل تشمل أيضا هواتف ذكية عادية تُدخل بطرق أخرى، من طائرات بدون طيار إلى مساعدات من موظفين فاسدين.