"رسائل الرصاص" تبثّ الرعب في أميركا

لا يشعر المسؤول في القطاع الصحي بالتعاطف مع المواطنين الذين يقدّمون طلباتهم للحصول على غطاء التأمين الصحي أو عندما يحدّد سعر الدواء، بقدر ما يُركّز على توفّر المستندات المطلوبة أو متغيّرات السوق.

ويتشابَه هذا السلوك حرفيا، مع سيكولوجية القاتل الذي "لا يشعر بالتعاطُف مع الآخرين، ولا يشعر بالذّنب تجاه أفعالهم"، وفقا لدراسة نشرتها جامعة أوكسفورد.

قاتل مانهاتن، اتّبع نفس السياسة، ربما دون أن يشعر، إذ كشفت الرصاصات المستخدَمَة في الهجوم عن كلّ شيء، عندما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" وجود رسائل مِن كلمةٍ واحدةٍ؛ مثل "رفض"، و"تأخير" عليها.

الكلمات التي حفرها القاتل على الرصاصات، هي نفسها التي يضعها المسؤول في القطاع الصحي على الطلبات المرفوضة والمؤجّلة للمرضى وذويهم وطالبي التعويضات الصحية.

هكذا غزل قاتل مانهاتن خيوط قصَّته المثيرة، لينطبق عليه جزء آخر من دراسة أوكسفورد، التي تقول إن القاتل يعيش بعقلين، الأول يتمتّع بالمنطقية والعقلانية في دراسة الأمور، والآخر يُسيطر عليه الشر والعنف.

وتكشف تفاصيل الجريمة، التي هزّت القطاع الصحي في أميركا، عن تفكير انتقامي، وخطة مدروسة، ورسائل أراد القاتل أن تصل مِن خلال نقوشه على الرّصاصات، وفي الوقت نفسه السلوك العنيف.

قبل السَّاعة السابعة صباحا، أظهرت كاميرات المراقبة شخصا يرتدي قناعا، يُخفي ملامح وجهه، ويقود دراجة هوائيّة، يتربّص، رغم برودة الجو، أمام فندق "هيلتون ميدتاون"، بشخصٍ ما.

تبيّن بعد ذلك أنّ القاتل كان في انتظار براين تومسون، ليباغته بفتح النيران، ويُسقطه قتيلا على الفور، وفقا لمفوضة شرطة نيويورك، جيسيكا تيش، في تصريحات نشرتها شبكة "سي إن إن".

جيسيكا قالت، في مؤتمر صحافي عقب الحادث: "تابعنا العديد من الأشخاص المشتبه بهم، لكن القاتل لفت نظرنا، بسبب تربّصه بشكل واضح أمام الفندق. لقد كان هذا الهجوم مع سبق الإصرار والترصّد".

وأشارت تيش إلى أن الشّخص المسلح اقترب من تومسون فور ظهوره، وأطلق عليه النار مِن الخلف في الظَّهر والسّاق اليمنى، وظل المسؤول في "يونايتد هيلث كير" ينزف، حتّى أُعلنت وفاته في تمام الساعة 7:12 صباحا، في مستشفى ماونت سيناي بنيويورك.

وقالت مصادر مطلعة إنّ الشركة كانت تخصّص فريقا أمنيا لمرافقة تومسون، لكن يوم الحادث، خرج بدون حراسته، ليتعرّض للهجوم المباغت، وتنتهي حياته.

وذكرت شرطة نيويورك، في تقريرها عن الحادث، أنّ المُسلَّح القاتل استخدم على ما يبدو سلاحا مُزوَّدا بكاتم للصّوت، بعد أن ترجَّل على قدميه خلف سيارة، ثم إلى الرّصيف الذي يسير عليه تومسون.

وكشفت التحقيقات ومراجعة كاميرات المراقبة، أن مسدس القاتل تعطّل على ما يبدو، الأمر الذي منعه مِن الاستمرار في إطلاق النار، قبل أن يتأكَّد مِن وفاة ضحيَّته، ليفرّ هاربا بعد تجاوُز العوائق، ثمَّ أطلق النار مجدَّدا، واختفى عن الأنظار.

ويقول خبراء الأسلحة النارية، الذين درسوا فيديو كاميرات المراقبة، إن سلاح القاتل يبدو وأنّه يتعطّل بعد كلّ طلقة، ويحتاج إلى وقتٍ حتى يحمل طلقة جديدة في حجرة الإطلاق، مع التأكيد على أنّ الجاني ظهر كأنّه تلقّى تدريبا على استخدام السلاح من قبل الشرطة أو الجيش.

عقب حادثة مقتل براين تومسون، ظلّت هواتف شركات الأمن تدقّ بلا توقّف، إذ شعر القادة في القطاع الصّحي بالخطر على حياتهم، وطلبوا تعزيزات أمنية لتحرّكاتهم، خوفا مِن موجات هجومية جديدة مِن مسلّحين آخرين.

ورفعت إحدى شركات الأدوية في مجموعة "فورتشن 500" أسعار الدّواء، ثمَّ تلقَّى أعضاء مجلس إداراتها والمديرون التنفيذيون مكالمات ورسائل تهديد بالعنف، ردا على القرار، الأمر الذي جعلهم يلغون اجتماعاتهم، خشية استهدافهم على طريقة تومسون.

الكثير من قادة شركات ومؤسسات القطاع الصّحي، كانت لديهم مخاوف بالفعل تتعلّق بالسّلامة، لتأتي حادثة تومسون ورسائل الرصاصات لتثير ذعرهم.

وعقّب الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك كلوك"، كريس بيرسون، قائلا: "ارتفعت حدّة الهجمات خلال السنوات الماضية، ضد المديرين التنفيذيين وعائلاتهم، وفقا لبيان شركتنا".

وقال رئيس شركة الحماية التنفيذية الرقمية إن قادة الرعاية الصحية والطب الحيوي وشركات الأدوية، عُرْضَة للاستهداف أكثر من المديرين التنفيذيين في الصناعات والقطاعات الأخرى.

ووفقا لتقرير "نيويورك تايمز"، فإن المنصّات الرقمية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، جعلت التعرّف على هويات المديرين التنفيذيين لشركات ومؤسسات القطاع الصحي، وكذلك مواقعهم، أمرا في غاية السهولة، ما شكّل تهديدا على سلامتهم، في ظلّ انتشار رسائل كراهية ضدهم على الإنترنت.

وأشار غلين كوسيرا، مدير شركة "آلايد يونيفرسال"، التي تقدِّم خدمات أمنية لنحو 80% مِن مجموعة "فورتشن 500"، إلى أن حماية رئيس تنفيذي بدوام كامل وطاقم حراسة تُكلّف نحو ربع مليون دولار سنويا.

واتفق قادة شركة الخدمات الأمنية على أنّ حادثة تومسون ورسائلها بمثابة جرس إنذار لمديري القطاع الصحي في أميركا بالكامل، مع توجيه النصيحة لهم بأن يكونوا في حالة تأهب قصوى بشأن سلامتهم الشخصية.