"ممر سري" يربط بين ذكرياتنا
قد تستيقظ من نومك على كلمات أغنية قديمة لم تسمعها منذ سنوات عالقة برأسك، ولكن في الوقت ذاته تنسى أين وضعت مفاتيحك في الليلة السابقة.
هذا جزء يعتبره العديد من الأشخاص "طبيعيا" في طريقة عمل الذاكرة البشرية، فبينما ننسى الأشياء الأساسية، مثل رقم الهوية، ولكن نتذكر كل تفاصيل حلقة الرسوم المفضلة.
ولكن أثناء سلسلة من الأبحاث الجديدة، كشف العلماء عن "ممر سري" قد يغير الطريقة التي نفهم بها ذاكرتنا، حسب ما نشرت وكالة أسوشيتد برس الثلاثاء، فاتضح أن هناك "طريقا مختصرا" لتخزين الذكريات مباشرة في ذاكرة المدى الطويل دون المرور أولا بذاكرة المدى القصير.
تنقسم ذاكرة العقل البشري إلى نوعين رئيسيين:
- ذاكرة المدى القصير (الذاكرة النشطة): تخزن كمية محدودة من المعلومات لفترة زمنية قصيرة، وتُستخدم لمعالجة الأمور المؤقتة.
- ذاكرة المدى الطويل: تخزن المعلومات والذكريات لفترات غير محدودة، وتتميز بقدرتها على استدعاء المعلومات عند الحاجة.
ذاكرة المدى الطويل تنقسم إلى:
- الذاكرة الصريحة: تخزن المعلومات التي يمكن تذكرها بوعي، مثل أحداث مهمة أو حقائق.
- الذاكرة العرضية: تتعلق بالأحداث الشخصية التي مررنا بها.
- الذاكرة الدلالية: تحتفظ بمعلومات حياتية، مثل معاني الكلمات وكيفية التعامل مع الأشياء.
- الذاكرة الإجرائية: تعني المهارات الحركية مثل ركوب الدراجة أو الكتابة.
- الذاكرة الترابطية: تسترجع الذكريات المرتبطة بمواقف معينة، مما يساعد على تطوير الخبرات.
عادة، تمر الذكريات عبر ذاكرة المدى القصير أولا قبل تخزينها في ذاكرة المدى الطويل. ومع ذلك، توصل فريق من معهد ماكس بلانك بفلوريدا إلى اكتشاف جديد حيث يمكن للذكريات أن تنتقل مباشرة إلى ذاكرة المدى الطويل دون المرور بالذاكرة القصيرة.
وصف الباحث ميونج يون شين، رئيس الفريق، هذا الاكتشاف بأنه يشبه "العثور على ممر سري يؤدي مباشرة إلى الذاكرة الدائمة داخل العقل"، ووفقا لتصريحاته لموقع "سايتيك ديلي"، فإن النظريات القديمة كانت تفترض وجود طريق واحد لنقل المعلومات من ذاكرة المدى القصير إلى الطويل.
لكن النتائج الجديدة تشير إلى وجود مسارين مختلفين، أحدهما يمر عبر الذاكرة القصيرة، والآخر يصل مباشرة إلى الذاكرة الطويلة، مما يكشف عن مرونة مذهلة في عمل العقل البشري.
الدراسة ركزت على إنزيم معين داخل الخلايا العصبية يُعرف باسم CaMKII، والذي يرتبط بتكوين ذكريات المدى القصير.
باستخدام تقنية علم البصريات الوراثي، تمكن العلماء من تعطيل هذا الإنزيم مؤقتا. وأجرى فريق البحث تجربة على الفئران، حيث تم تعريضها لتجربة مخيفة في أماكن مظلمة، ثم استخدموا الضوء لمنع تخزين هذا الحدث في ذاكرة المدى القصير.
الغريب في الأمر أنه بعد مرور ساعة، عادت الفئران إلى الأماكن المظلمة دون خوف، مما يشير إلى نجاح الفريق في منع تخزين الذكرى في الذاكرة القصيرة. ولكن المفاجأة كانت أن الفئران بعد أيام أو أسابيع، بدأت تتجنب هذه الأماكن تماما، مما يعني أن الذكرى المخيفة قد انتقلت مباشرة إلى ذاكرة المدى الطويل.
علق الباحث شين قائلا: "في البداية، كانت هذه النتيجة صادمة لأنها تخالف ما نعرفه عن طريقة تكوين الذكريات. لم نكن نتخيل أن الذكريات يمكن أن تُخزن في ذاكرة المدى الطويل دون المرور بالذاكرة القصيرة أولا. لكن بعد تكرار التجربة باستخدام أدوات مختلفة، تأكدنا من صحة هذه النتيجة".
وأضاف: "تخزين الذكريات طويلة المدى ليس عملية خطية كما كنا نعتقد، بل يمكن أن يكون عملية متوازية".
أما الباحث ريوهي ياسودا، عضو الفريق، فأوضح أن هذه النتائج دفعتهم لإعادة التفكير في فهم آلية تكوين الذكريات. ويعمل الفريق حاليا على دراسة الظروف التي تجعل الذكريات تُخزن مباشرة في ذاكرة المدى الطويل.
ويأملون أن تساعد هذه الأبحاث في تطوير طرق لحماية الذاكرة عند الأشخاص الذين يعانون من ضعف الإدراك أو فقدان الذاكرة بسبب تقدم العمر أو مشاكل صحية.