من صور نصرالله إلى لويس هاميلتون.. ما وضع حزب الله بأصعب أيامه؟
من الطريق المؤدية إلى مطار بيروت، حيث كانت تهيمن لوحات حسن نصرالله وقاسم سليماني، إلى شوارع العاصمة التي امتلأت بصور السائق البريطاني، لويس هاميلتون، وعلامات تجارية غربية، يتبدّل وجه "لبنان القديم"، وفق ما تنقل صحف أجنبية.
وسط هذا التغيير الصاخب، يواجه حزب الله لحظة فارقة في تاريخه الممتد لأكثر من أربعة عقود.
إنها المرة الأولى التي تتقاطع فيها ضغوط أميركية غير مسبوقة، وإجماع لبناني آخذ بالتشكّل، ومسودة حكومية تطالب علنًا بنزع سلاح الجماعة، في وقت يتراجع حضورها على الأرض وتتهاوى بنيتها المالية عقب الضربة الإسرائيلية الأكثر دموية منذ عام 2006.
في الخلفية، تفقد "جمعية القرض الحسن" صلاحيتها المصرفية، ويخرج مطار بيروت من سيطرة الحزب، وتتحرك الحكومة الجديدة بقيادة نواف سلام لإعادة فرض سلطتها من الجنوب إلى الشمال. في هذه اللحظة الحرجة، تُطرح تساؤلات عميقة: هل تُثمر هذه التطورات عن تحول جوهري في المشهد اللبناني؟
من يتحكم بـ"لبنان الجديد"؟
في قلب المشهد المتغير، تبرز ملامح "لبنان الجديد" كما وصفه تقرير شبكة سي إن بي سي، حيث باتت الصور الطائفية تغيب تدريجيًا عن واجهة الضاحية، لتحل محلها لوحات تجارية ورسائل وطنية موحّدة.
هذا التحول يتزامن مع ذروة الموسم السياحي وخطوات أمنية اتخذتها الحكومة الجديدة، بينها استعادة السيطرة على مطار بيروت، وفصل موظفين مرتبطين بالحزب، واعتراض تحويلات نقدية بملايين الدولارات في المطار وعلى الحدود.
رئيس الحكومة نواف سلام أطلق ما وصفه بعصر جديد، فيما شدد الرئيس اللبناني، جوزيف عون، على أن لبنان بات أمام "فرصة تاريخية" لحصر السلاح بيد الجيش فقط.
وأضاف أن المسودة اللبنانية المعدّلة، التي ستُعرض على مجلس الوزراء، تنصّ على بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وسحب سلاح جميع القوى المسلحة، بما فيها حزب الله، وتسليمه إلى الجيش اللبناني.
ويشير الخبير أمتسيا بارعام لصحيفة "معاريف" إلى أن ما لا يقل عن 70% من اللبنانيين يدعمون نزع سلاح الحزب، وأن أغلب وزراء الحكومة الحالية والرئيس اللبناني يشاركون هذا الموقف، وهو ما يشكل تغيرًا جذريًا مقارنة بالسنوات السابقة.
الضغط الأميركي والمسودة اللبنانية.. هل تنجح المقايضة؟
تكثّف واشنطن ضغوطها على بيروت لإصدار قرار رسمي يلتزم بنزع سلاح حزب الله، قبل استئناف مفاوضات وقف الضربات الإسرائيلية.
ووفق ما نقلته رويترز عن خمسة مصادر مطلعة، فإن إدارة ترامب ترفض الاستمرار في "تبادل الأوراق" وتصرّ على تصويت فوري داخل مجلس الوزراء، مهددة بعدم إرسال مبعوثها توماس براك في حال لم يصدر التزام علني.
وتنصّ الورقة الأميركية المقدمة في يونيو على أن الحزب مطالب بتفكيك ترسانته خلال أربعة أشهر، مقابل انسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب ووقف الغارات الجوية.
ورغم أن الحزب رفض علنًا هذا الطلب، إلا أنّ المصادر تشير إلى أنه يدرس سراً تقليص قدراته العسكرية، وهو ما تؤكده أيضًا تقارير من رويترز وسي إن بي سي.
الرئيس اللبناني، جوزيف عون، أعلن أن بيروت عدّلت هذه الورقة لتشمل أيضًا مطالب بوقف فوري للهجمات الإسرائيلية، ومؤتمر دولي لإعادة الإعمار، ودعم سنوي بقيمة مليار دولار للجيش وقوى الأمن على مدى عشر سنوات.
بين الإنكار والواقع.. هل بدأ الحزب بتقليص ترسانته؟
في خطاب تلفزيوني، وصف زعيم حزب الله، نعيم قاسم، الدعوات لتسليم السلاح بأنها "خدمة لإسرائيل"، مؤكدًا رفض الحزب لأي التزام من هذا النوع، لكنه لم ينكر علنًا تقارير تشير إلى دراسة داخلية لتقليص الترسانة. قاسم قال: "لن نقبل بأن يكون لبنان ملحقًا بإسرائيل".
وفقاً لمصادر دبلوماسية لبنانية نقلت عنها رويترز، فإنّ الحزب تخلى بالفعل عن عدد من مستودعات الأسلحة في الجنوب بموجب هدنة سابقة.
ومع تكثف الضغوط، تزداد المؤشرات على أن حزب الله ربما يعيد تقييم موقفه، خاصة في ظلّ الخسائر الكبيرة التي تكبدها في الحرب الأخيرة، بما في ذلك مقتل الآلاف من مقاتليه وقياداته وتدمير جزء كبير من بنيته العسكرية.
من جهته، رأى ماثيو ليفيت، المدير السابق في وزارة الخزانة الأميركية، أن تحييد القرض الحسن، أحد أبرز أدوات الحزب المالية، يشكّل ضربة فعالة، معتبرًا أنّ "النية لا تكفي"، بل يتطلب الأمر دعمًا مباشرًا للحكومة اللبنانية كي تتمكن من تنفيذ التعهدات.
فرصة نادرة أم لحظة ضائعة؟
الوضع الحالي وصفه محللون بأنّه "أكبر مأزق يمرّ به حزب الله منذ تأسيسه"، بحسب ما نقلته سي إن بي سي.
فـ"القيادة ممزقة، الهيكل المالي تضرر، الغطاء السياسي يتراجع، وحتى قاعدة الحزب الاجتماعية باتت تحت الضغط بعد دمار واسع في المناطق ذات الغالبية الشيعية".
المحلل اللبناني روني شطح قال إن ما ينقص هو الضغط الدولي الحقيقي على إيران، معتبرًا أن أي تفكيك جدي للحزب لن يتم من دون "مخرج دبلوماسي يراعي جزئيًا شروط طهران"، مشددًا على أن "الفرصة هي الآن، وليست غدًا".
أما أمتسيا بارعام، فيرى أن الانتخابات المقبلة في مايو قد تشكل محطة إضافية إذا ما استُثمرت بشكل صحيح، لكنه يلفت أيضًا إلى احتمالية أن تسمح طهران لحزب الله بالتحول إلى حزب سياسي كبير إذا ما اشتد الضغط.
ويتابع: "مزيج من الضغط الدبلوماسي، التحفيز الاقتصادي، والتهديد العسكري الموثوق يمكن أن يُخرج لبنان من أزمته نحو الاستقرار"، حسب معاريف.
ويصف أمتسيا بارعام أن الحلّ يكمن في سياسة "العصا والجزرة"، حيث تتمثل "الجزرة" في حزمة إنقاذ اقتصادي، بينما "العصا" هي العمليات العسكرية الإسرائيلية. لكنه يستدرك أن إسرائيل حالياً لا تملك القدرة على التهديد بتصعيد ذي مصداقية بسبب انشغالها في غزة.