سياسة

إيران تواجه أزماتها بـ"إيديولوجيا ما قبل الثورة"

نشر
blinx
في تحول لافت في الخطاب الرسمي، بدأت القيادة الإيرانية مؤخراً باستدعاء ملامح من الإرث الحضاري الإيراني العائد إلى ما قبل الثورة، في محاولة لتعبئة شعب يعيش تحت وطأة الحروب ويزداد نفوراً من الأيديولوجيا الدينية التي تُهيمن على النظام، بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست.
ففي خطاب ألقاه المرشد الأعلى، علي خامنئي، عقب الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على إيران، أشاد بـ"الحضارة الإيرانية العريقة"، مشدداً على أن إيران تمتلك "ثراءً حضارياً وثقافياً" يتجاوز ما لدى الولايات المتحدة.

خطاب جديد

تصريح خامنئي جاء في تناقض واضح مع مواقفه السابقة التي انتقد فيها العهد السابق للثورة واعتبره زمناً "زائفاً" طغت عليه "الديكتاتورية والفساد".
الخطاب الجديد، الذي يُنظر إليه كرسالة مباشرة لآلاف المسؤولين والإداريين ورجال الدين في أجهزة الدولة، جسّد توظيفاً واضحاً للنزعة القومية في أعلى مستويات النظام، وسط إدراك داخلي بتآكل التأييد الشعبي لسلطة رجال الدين ولإيديولوجيتهم.

صور وشعارات ما قبل الثورة

لم يكن هذا التوجه حالة معزولة؛ فقد نُصبت في العاصمة طهران لافتات تمجّد رموزاً من تاريخ إيران قبل الثورة، بينها صورة للملك الأسطوري الفارسي "آراش كمانجیر"، ترافقها مقاطع من الشعر الفارسي: "لأجل إيران، أضع روحي في القوس… وسهم آراش يشقّ السماء"، وذلك في ميدان وسط المدينة.
كما ظهرت لافتة أخرى تُصور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصفته إمبراطوراً رومانياً مهزوماً جاثياً أمام جندي فارسي، في صورة مقتبسة من منحوتة أثرية تعود إلى العهد الأخميني، أي قبل دخول الإسلام إلى إيران في القرن السابع الميلادي.

فشل إيديولوجيا الثورة؟

لطالما وضعت طهران التعاليم الدينية في صميم مشروعها السياسي، وغلبت الهوية العقائدية على الخطاب الوطني. لكن في مناسبة دينية هذا الشهر، طلب خامنئي من أحد المنشدين أداء أغنية وطنية ذات طابع غير ديني، وهو تصرف غير مألوف في مثل هذه السياقات.
يرى المؤرخ علي أنصاري، أستاذ التاريخ في جامعة سانت أندروز في بريطانيا، أن هذا التبدّل يعكس اعترافاً ضمنياً بفشل أيديولوجيا الثورة. وأضاف: "صحيح أن النظام استخدم الخطاب القومي سابقاً، لكن ليس بهذا الاتساع أو الكثافة، ولا في ظروف حرجة بهذا القدر".
وفي ظل الضغوط الإقليمية، لا سيما التراجع الذي أصاب حلفاء طهران مثل حزب الله في لبنان وحماس في غزة، وفي ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية داخل البلاد، بات من الطبيعي، بحسب عالم الاجتماع الإيراني حسين غازيان، أن تعمد الحكومة إلى إعادة صياغة خطابها ليتلاءم مع المزاج الشعبي.
وقال غازيان، الذي كان يعمل في إيران ويقيم الآن في الولايات المتحدة: "عندما تطرح الحكومة هذا المنتج الجديد، مزيج من القومية والدولة الدينية، فإنها تدرك أن له سوقاً، وهذا قرار عقلاني ومدروس هدفه الحفاظ على السلطة".

تراجع تأثير العقيدة الدينية في المجتمع؟

ومع ذلك، فإن المزج بين الرموز القومية وخطاب النظام الديني لا يخلو من التناقض، ويعبّر في جوهره عن تراجع تأثير العقيدة الدينية في المجتمع.
فقد أظهر استطلاع سري، أجراه مركز حكومي عام 2023، ونُشرت نتائجه عبر "بي بي سي فارسي"، أن غالبية الإيرانيين تؤيد الفصل بين الدين والسياسة.
ويأتي هذا التحول القومي في وقت يزعم فيه كبار المسؤولين أن "الوحدة الوطنية" في إيران تعززت بعد الغارات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة. وخلال القصف، ظهرت تقارير تفيد بتضامن شعبي واسع، من دون تسجيل مظاهرات مناهضة للنظام. غير أن غياب استطلاعات مستقلة يجعل من الصعب الجزم بما إذا كان الدعم الشعبي قد ارتفع فعلاً، بحسب تقرير الصحيفة.
ويقول غازيان إن أي تصاعد في المشاعر القومية بين الإيرانيين مردّه غالباً التهديد الخارجي أكثر من كونه تعبيراً عن تأييد حقيقي للحكومة: "التلاحم الوطني يحدث عندما يشعر الشعب أن الحكومة تمثّله في مواجهة عدو خارجي".

انتقادات للنظام

بالمقابل، انتقد عدد من المعارضين استغلال النظام للرموز الوطنية بالتوازي مع ممارسات قمعية.
فقد نشر المخرج الإيراني البارز جعفر بناهي، الذي سبق أن اعتُقل بسبب مواقفه، مقاطع صوتية وصوراً على حسابه في إنستغرام، قال إنها لمعتقلين سياسيين يغنّون أغنية وطنية، وعلّق عليها قائلاً: "إنها ضربة مباشرة لحكومة تريد إعادة كتابة التاريخ ومحو هوية الأمة بالعنف".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة