سوريا تعيد تشكيل اقتصادها بالظل.. فرص تحكمها لجنة نخبة غامضة
بعد التغيرات السياسية التي شهدتها دمشق مؤخراً، بدأت السلطات الجديدة في سوريا بالعمل على إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني الذي أنهكته الحرب لسنوات طويلة. وتأتي هذه الجهود في وقت حساس تسعى خلاله البلاد لاستعادة استقرارها والانفتاح مجدداً على الاقتصاد العالمي.
وقد كشفت وكالة رويترز عن تشكيل لجنة خاصة مكلفة بتقييم الأوضاع الاقتصادية وإدارة عملية إعادة الهيكلة، وقالت إنّ هذه اللجنة تعمل بعيداً عن الأضواء الإعلامية، وتهدف إلى مراجعة الأصول الاقتصادية الموروثة عن المرحلة السابقة وتحديد ما يمكن إصلاحه أو إعادة تنظيمه بما يساهم في دعم الدولة والمواطنين.
وخلال الأشهر الماضية، تمكنت اللجنة من جمع أصول اقتصادية تقدَّر قيمتها بمليارات الدولارات، شملت حصصاً في شركات محلية وأموالاً نقدية. ووفقاً لمصادر رويترز، تهدف هذه الخطوة إلى وضع هذه الأصول في مسار يخدم إعادة الإعمار ويعيد بناء البنية التحتية الاقتصادية.
التركيز على المصالحة الاقتصادية
تتعامل اللجنة مع ملفات رجال الأعمال والشركات الكبرى بمرونة، إذ تعمل على تسويات مالية واقتصادية بدلاً من المقاضاة أو المصادرة المباشرة. الهدف هو استعادة الأموال ودعم الأنشطة الاقتصادية الأساسية التي يعتمد عليها الاقتصاد السوري، مع الحفاظ على بيئة استثمارية مستقرّة تشجّع على جذب الاستثمارات المحلية والخارجية.
وتسعى هذه الآلية إلى تحقيق التوازن بين حاجات الدولة إلى الموارد وبين ضرورة طمأنة مجتمع الأعمال. ونقلت رويترز عن مصادر مطلعة أن هذه السياسة تهدف إلى منع أي اضطرابات اقتصادية قد تنتج عن إجراءات مفاجئة أو غير محسوبة.
في إطار إعادة تنظيم الاقتصاد، أُعلن مؤخراً عن تأسيس صندوق سيادي يتبع الرئاسة ويهدف إلى إدارة العوائد الناتجة عن عمليات إعادة الهيكلة، إضافة إلى صندوق تنمية اقتصادي يعمل على دعم المشاريع الحيوية في البلاد.
وتشير المعلومات إلى أن هذه الصناديق ستعتمد على عوائد الشركات التي تُعاد هيكلتها أو تُطرح لاحقاً للاستثمار بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص. كما سيتم توجيه جزء من هذه العوائد إلى مشاريع خدمية وتنموية يستفيد منها المواطنون مباشرة.
دمج الشركات وإعادة إطلاق الأنشطة
أعادت السلطات السورية الجديدة تنظيم عدد من الشركات الكبرى التي كانت متعثرة أو متوقفة، سواء من خلال تغيير إداراتها أو إعادة هيكلتها تحت أسماء جديدة. ويشمل ذلك قطاعات رئيسية مثل الاتصالات، النقل الجوي، الصناعات الغذائية، المعادن والطاقة.
تهدف هذه الخطوات إلى ضمان استمرار الخدمات الأساسية وتهيئة الشركات لتكون أكثر جذباً للاستثمار، خاصة في ظل اهتمام متزايد من مستثمرين إقليميين ودوليين بالسوق السورية.
رغم التقدم في جمع الأصول وإعادة تنظيم الشركات، لا تزال هناك تحديات تواجه هذه الجهود. بعض المراقبين يرون أن تركز السلطات الاقتصادية في أيدي مجموعة محدودة من المسؤولين قد يثير مخاوف المستثمرين، فيما يرى آخرون أن الشفافية هي العامل الأهم لضمان نجاح عملية إعادة الهيكلة.
ومع ذلك، تؤكد مصادر متابعة أن هذه المرحلة تضع الأسس اللازمة للانتقال إلى اقتصاد منظم قائم على قواعد السوق الحرة، مع العمل على توفير بيئة ملائمة لجذب الاستثمارات الأجنبية التي تحتاجها البلاد بشدة في مرحلة إعادة الإعمار.
تزامنت هذه التحركات مع رفع تدريجي لبعض العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على سوريا، الأمر الذي اعتبرته السلطات فرصة تاريخية لاستعادة النشاط الاقتصادي وجذب الاستثمارات.
وتشير التقديرات إلى أن مؤتمرات استثمارية قادمة قد تطرح فرصاً تتجاوز قيمتها عدة مليارات من الدولارات في قطاعات حيوية، مثل الطاقة، الاتصالات، الزراعة والصناعة. هذه الخطوات تعكس رغبة واضحة في دمج الاقتصاد السوري مجدداً ضمن النظام المالي العالمي بعد سنوات من العزلة.
يشير تقرير رويترز إلى أن عمل اللجنة أحدث بعض التغييرات في الأسلوب الإداري. فالاجتماعات التي كانت تُعقد بشكل غير رسمي باتت أكثر انضباطاً، حيث أنّ أعضاء اللجنة تلقوا تعليمات بارتداء البزّات الرسمية بدلا من الملابس العسكرية أو الملابس غير الرسمية، كما صدرت لهم أوامر بإخفاء مسدساتهم بعيدا عن الأنظار.
كما يُلاحظ أن السلطات حريصة على إرسال رسائل طمأنة للداخل والخارج بأنها لا تسعى إلى مصادرة أملاك أو التضييق على مجتمع الأعمال، بل إلى توفير بيئة استثمارية جاذبة ومستقرة قادرة على تحريك عجلة الاقتصاد السوري.
يأمل السوريون أن تسهم هذه الجهود في تحسين ظروفهم المعيشية وإطلاق عجلة التنمية بعد سنوات من الحرب والدمار. ومع أن الطريق لا يزال طويلاً ومعقداً، إلا أن الخطوات التي يتم اتخاذها حالياً تُعتبر بداية لإرساء قاعدة اقتصادية أكثر صلابة يمكن البناء عليها.
في المقابل، يشدد خبراء اقتصاديون على أهمية الشفافية والمساءلة في إدارة الأصول العامة والصناديق الاستثمارية الجديدة، إذ يرون أن ذلك هو الضمانة الأساسية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية والحفاظ على ثقة المواطنين.
ثغرات.. نخبة جديدة في الظل وسلطة اقتصادية بيد شخصيات غامضة
- حسب رويترز، فإن مزيج إشراك الأقارب والرجال الذين لا يُعرفون إلا بأسماء حركية والذين يديرون الاقتصاد السوري الآن يثير قلق عدد من رجال الأعمال والدبلوماسيين والمحللين الذين يقولون إنهم يخشون من أن يكون التطور الذي شهدته سوريا لا يتجاوز حدود استبدال نخبة أقلية بأخرى في القصر.
- واستند تحقيق رويترز إلى مقابلات مع أكثر من 100 من رجال الأعمال والوسطاء والسياسيين والدبلوماسيين والباحثين، فضلا عن مجموعة من الوثائق تتضمن سجلات مالية ورسائل بريد إلكتروني ومحاضر اجتماعات وتسجيل شركات جديدة.
- ولم يسبق أن أعلنت الحكومة السورية عن عمل اللجنة أو حتى عن وجودها للرأي العام السوري.
- ولا يعرف أحد أي شيء عن تفويضها إلا من يتعاملون معها بشكل مباشر رغم أن مهمتها يمكن أن تؤثر على حياة جميع السوريين ومصادر أرزاقهم وربما على غيرهم، في وقت الذي تحاول البلاد إعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي.
- وصرّح 4 دبلوماسيين غربيين كبار لرويترز بأنّ تكديس السلطة الاقتصادية في أيدي شخصيات غامضة لا يُعرف عن ماضيها شيء قد يعرقل الاستثمار الأجنبي ويقوض مصداقية سوريا في وقت تسعى للانضمام مجددا لركب النظام المالي العالمي.
- وقال ستيفن هايدمان، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في سميث كولدج في ماساتشوستس لرويترز إن صندوق ثروة سيادية في سوريا أمر "سابق لأوانه".
- وانتقد اعتماد الصندوق على "أصول غير نشطة" غامضة، وحذر من أن منح الاستقلال لإدارة الصندوق بما في ذلك للرئيس من شأنه أن يقوض المساءلة.