انفجار بلا غاز.. هل عادت إسرائيل إلى طهران من دون إعلان حرب؟
تداول الإيرانيون على مواقع التواصل مشاهد مروّعة لانفجارٍ ضخمٍ هزّ مجمّع "بامجال 9" السكني في حيّ "تشيتغار" بمدينة تنكابن غرب طهران يوم 11 يوليو، ما أحدث دماراً واسعاً في الواجهة الأمامية للمبنى.
لكن المفارقة الصادمة التي أفصح عنها أحد السكان لموقع
Long War Journal كانت أنّ المبنى، وكذلك المجمّع المجاور "بامجال 10"، الذي يعرف باستضافته لموظفين في منظمة القضاء العسكري التابعة للقوات المسلحة، لا يتصل بشبكة الغاز أساساً، في تناقض صارخ مع رواية الإعلام الرسمي والقضائي الذي أصرّ على أنّ الحادث ناتج عن "تسرّب غاز".
وفي السياق ذاته، أفادت صحيفة
نيويورك تايمز بأنّ إيران شهدت خلال الأسبوعين الماضيين سلسلة انفجارات وحرائق غامضة طالت مجمّعات سكنية ومصافي نفط وطرقاً قرب مطارات رئيسية، وحتى مصنعاً للأحذية.
وبينما عمد المسؤولون الإيرانيون إلى التهوين من هذه الحوادث في العلن واعتبارها محض مصادفات أو نتيجة تهالك البنية التحتية، في محاولة لطمأنة شعب لا يزال مثقلاً بتداعيات الحرب الأخيرة مع إسرائيل والولايات المتحدة في يونيو، أقرّ ثلاثة مسؤولين إيرانيين، بينهم عضو في الحرس الثوري، بأنّ العديد من هذه الحوادث يرجّح أن تكون "أعمال تخريب متعمدة"، حسب ما أفدت به نيويورك تايمز.
وأوضح هؤلاء أنّ الشكوك تتّجه بشكل خاص نحو إسرائيل، نظراً لتاريخها الطويل في تنفيذ عمليات سرّية داخل إيران، من تفجيرات واغتيالات، لافتين إلى أنّ مسؤولاً استخباراتياً إسرائيلياً رفيعاً كان قد تعهّد بعد حملة القصف التي استمرّت 12 يوماً في يوليو الماضي بمواصلة العمل داخل إيران.
الشبهات الخارجية وأصابع الاتهام نحو إسرائيل
رغم محاولات طهران التقليل من خطورة الأحداث، فإنّ التقييمات الدولية تُجمع على أنّ ما يحدث هو جزء من حملة تخريب منسّقة.
رجّح مسؤول أوروبي يتعامل مع الملف الإيراني أن تكون إسرائيل وراء الهجمات، مستنداً إلى سجلها الطويل في العمليات السرية ضد إيران، من اغتيالات العلماء إلى استهداف المنشآت النووية والعسكرية.
وبينما رفضت السلطات الإسرائيلية التعليق، أكدت تصريحات علنية سابقة لرئيس "الموساد" في يونيو نية تل أبيب الاستمرار في عملياتها داخل إيران، رغم وقف إطلاق النار.
البنية التحتية تحت النار... وتداعيات أمنيّة مقلقة
لم تعد الانفجارات مقتصرة على أبنية سكنية، بل طالت منشآت استراتيجية ومواقع ذات طابع عسكري وأمني، بحسب مراجعة أجراها lوقع Long War Journal لهذه الحوادث.
قبل انفجار "بامجال 9"، تعرّضت منطقة "جنّةآباد" في طهران لتدمير مبنى بحجّة تسرّب غاز، بالتزامن مع انفجارات مشابهة في كرمنشاه ومشهد.
وفي 11 يوليو، دوّى انفجار آخر على طريق "همداني" السريع قرب بحيرة تشيتغار، مُخلّفاً أضراراً جسيمة من دون توضيحات رسمية.
وفي 15 يوليو، ضرب انفجار مبنىً سكنياً في "برديسان" بقُم تابع لوزارة الإسكان، وأدّى إلى إصابة 7 أشخاص. غير أنّ حجم الدمار لم يكن ليتحقق من مجرّد تسرب غاز تقليدي، إذ غطّى الحطام محيط المبنى بالكامل، وانهارت جدران طابقه الأرضي، بحسب تسجيلات نشرتها "BBC فارسي".
وفي مشهد، أفيد عن انفجار قوي قرب المطار الدولي، وفي تبريز، اشتعل برج "زُمُرّد" بالنيران عقب تفعيل منظومات الدفاع الجوي وسماع دويّ انفجارات محلية.
وأثار موت مفاجئ لـ"غلامحسين غيبپرور"، نائب قائد الحرس الثوري بمقر "أمن الإمام علي"، موجة من التساؤلات. إذ ربط الإعلام الرسمي وفاته بتعرّضه لغازات سامة خلال حرب الثمانينات، رغم غياب أي إشارات سابقة إلى تدهور صحّته. روايات أخرى ذكرت تعرضه لـ"ضغوط جسدية ونفسية شديدة" خلال الحرب الأخيرة، مما يفتح الباب أمام فرضية تصفيته أو وفاته نتيجة مضاعفات الحرب الحالية.
ولا يُغفل عن الحريق الضخم الذي شبّ في مصفاة أبّادان جنوباً، مخلّفاً قتيلاً وعدة مصابين، وتوقّفاً في الإنتاج. كما أنّ بعض التفجيرات في مجمّعات سكنية تعود لقضاة وأعضاء في الجهاز القضائي، مثلما هو الحال في إحدى البنايات العالية بطهران، أثارت فرضية أنّ المنفّذين يسعون لبثّ الرعب بين القضاة، تماماً كما استُهدِف سابقاً علماء نوويون، وفقا لموقع Long War Journal.
طهران تتجنّب اتهام إسرائيل علناً
رغم المؤشرات المتزايدة، تمتنع السلطات الإيرانية عن توجيه اتهامات مباشرة لإسرائيل، حسب ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز.
ويُعزى ذلك إلى الخشية من الوقوع تحت ضغط الردّ العسكري، في وقتٍ تعاني البنية الدفاعية الإيرانية من أضرار جسيمة بعد الحرب الأخيرة، خاصة في القواعد والمنشآت النووية، وفقا للصحيفة.
وقد حاولت طهران تقديم تفسيرات بديلة، فوصفت الحريق قرب مطار مشهد بأنّه "حرق ميداني للأعشاب"، وحريقاً آخر في طهران على أنّه "ناتج عن نفايات مشتعلة".
أما المدير العام لإدارة الإطفاء والسلامة بطهران، فقد نسب معظم الانفجارات إلى "أجهزة غاز غير مطابقة للمواصفات، ورداءة في البنية التحتية وتجاهل لقواعد السلامة".
رغم ذلك، اعترفت
وكالة فارس التابعة للحرس الثوري بتنامي الشكوك في الشارع الإيراني، لكنها تمسّكت بتبريراتها، قائلة: "في بلد يضم 90 مليون نسمة و30 مليون مشترك بخدمات الغاز، من الطبيعي أن تحدث حوادث مماثلة".
أمام هذا المشهد المتوتر، يعبّر كثير من الإيرانيين عن شعورهم بأنّ الحرب مع إسرائيل لم تنتهِ فعلياً. يقول محمد، صاحب مقهى ومعرض فني في كاشان لصحيفة نيويورك تايمز، إنّه يشعر بالخوف والقلق لأنّ منطقته قريبة من مواقع نووية، ويرى أنّ الانفجارات "مقصودة"، وتنبئ بجولة جديدة من التصعيد.
ونقل موقع Long War Journal عن مراقبين تدهور الوضع الأمني في العاصمة، إذ توقّف الطيران المدني فوق إيران، وباتت الدوريات العسكرية والحواجز الأمنية ظاهرة في شوارع طهران، بينما لم تعلن السلطات عن كشف أي شبكة تجسس إسرائيلية، مما يعزّز الانطباع بأنّ تل أبيب ما تزال قادرة على تنفيذ عمليات دقيقة داخل العمق الإيراني من دون أن تُرصد.