سياسة

بين باكو وواشنطن والسويداء... كيف أساءت دمشق فهم الإشارات؟

نشر
blinx
 & 
بين رسائل أميركية ضبابية وتفاهمات غير مكتملة مع إسرائيل، اندفعت دمشق إلى الجنوب السوري ظنًا أن الوقت حان لاستعادة السيطرة، فتلقت ضربات عسكرية أربكت حساباتها. 8 مصادر مطلعة أبلغت رويترز بأن الحكومة السورية أساءت تفسير مواقف واشنطن وتل أبيب، معتبرة صمت الأولى وتواصلها مع الثانية بمثابة ضوء أخضر للانتشار في السويداء، قبل أن تُفاجأ برفض ميداني دموي، وباتهامات بارتكاب مجازر بحق مدنيين دروز. فهل كانت الرسائل الدولية ملتبسة، أم أن الحكومة السورية أخطأت التقدير؟

اعرف أكثر

"سوريا يجب أن تدار باعتبارها دولة مركزية"؟

قالت 8 مصادر مطلعة لرويترز إن الحكومة السورية أخطأت في تقدير الكيفية التي سترد بها إسرائيل على انتشار قوات سورية في جنوب البلاد في الأسبوع الماضي، إذ شجعتها الرسائل الأميركية التي تقول إن سوريا يجب أن تدار باعتبارها دولة مركزية.
وأفادت المصادر بأن إسرائيل نفذت ضربات على القوات السورية وعلى دمشق، الأربعاء الماضي، في تصعيد فاجأ الحكومة، وذلك بعد اتهام القوات الحكومية بقتل العشرات في مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية.
ووفقا للمصادر التي تضم مسؤولين سياسيين وعسكريين سوريين ودبلوماسيين اثنين ومصادر أمنية إقليمية، فإنّ دمشق اعتقدت أنّها حصلت على ضوء أخضر من الولايات المتحدة وإسرائيل لإرسال قواتها إلى الجنوب رغم التحذيرات الإسرائيلية المستمرّة منذ أشهر من الإقدام على ذلك.
وتابعت المصادر أن هذا الاعتقاد استند إلى تعليقات علنية وفي أحاديث خاصة من المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس بيريك، وكذلك إلى المحادثات الأمنية الوليدة مع إسرائيل.
ودعا بيريك إلى إدارة سوريا بشكل مركزي "كدولة واحدة" من دون مناطق حكم ذاتي.
ولم ترد تقارير من قبل عن الفكرة التي استوعبتها سوريا من الرسائل الأميركية والإسرائيلية بشأن نشر قواتها في الجنوب.
وأحجم متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عن التعليق على المناقشات الدبلوماسية الخاصة، لكنه قال إن الولايات المتحدة تدعم وحدة الأراضي السورية.

"سوريا ملزمة بحماية جميع السوريين"

وصرح المتحدث: "الدولة السورية ملزمة بحماية جميع السوريين، بما في ذلك الأقليات"، وحث الحكومة السورية على محاسبة مرتكبي أعمال العنف.
وفي رده على أسئلة رويترز، نفى مسؤول كبير في وزارة الخارجية السورية أن تكون تصريحات بيريك أثرت على قرار نشر القوات الذي اتخذ بناء على "اعتبارات وطنية بحتة" وبهدف "وقف إراقة الدماء وحماية المدنيين ومنع تصاعد الحرب الأهلية".
وأرسلت دمشق قوات ودبابات إلى محافظة السويداء، الإثنين، لوقف القتال بين قبائل بدوية وفصائل مسلحة داخل الطائفة الدرزية.
وذكرت مصادر سورية أن القوات التي دخلت مدينة السويداء تعرضت لإطلاق نار من الجماعات الدرزية المسلحة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل تدخلت لمنع القوات السورية من دخول جنوب سوريا، الذي قالت إسرائيل علنا إنه يجب أن يكون منطقة منزوعة السلاح، وللحفاظ على التزامها طويل الأمد بحماية الدروز.
الشرع يتعهد بمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات ضد الدروز
وتعهد الرئيس السوري، أحمد الشرع، بمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات ضد الدروز. وألقى باللوم على "الجماعات الخارجة عن القانون" التي تسعى إلى تأجيج التوترات في أي جرائم ضد المدنيين.
وسرعان ما تدخلت الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار بحلول مساء الأربعاء. ووصف وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، التصعيد بأنه "سوء تفاهم" بين إسرائيل وسوريا.

"محادثات باكو تضلل سوريا"

وقال مصدر سوري وآخر غربي مطلع على الأمر إن دمشق اعتقدت أن المحادثات مع إسرائيل التي جرت قبل أيام في باكو أسفرت عن تفاهم بشأن نشر قوات في جنوب سوريا لإخضاع السويداء لسيطرة الحكومة.
وأحجم مكتب نتنياهو عن التعليق ردا على أسئلة رويترز.
وصرحن إسرائيل، الجمعة، أنها وافقت على السماح بدخول محدود للقوات السورية إلى السويداء خلال اليومين المقبلين. وبعد فترة وجيزة، قالت سوريا إنها ستنشر قوة مخصصة لإنهاء الاشتباكات الطائفية التي استمرت حتى صباح السبت.
وقال جوشوا لانديس، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، إنه يبدو أن الشرع تحرك بثقة أكبر من اللازم الأسبوع الماضي.
وأضاف "يبدو أن المسؤولين العسكريين في حكومته أخطأوا في تفسير دعم الولايات المتحدة، كما أخطأوا في تفسير موقف إسرائيل من جبل الدروز (في السويداء) من محادثاتهم مع إسرائيل في باكو".

"اعتبرتها موافقة"

صرّح مسؤول عسكري سوري أنّ المراسلات مع الولايات المتحدة جعلت دمشق تعتقد أنّ بإمكانها نشر قواتها من دون أن تواجهها إسرائيل.
وأضاف أن المسؤولين الأميركيين لم يعقبوا لدى إبلاغهم بخطط نشر القوات، مما دفع القيادة السورية إلى الاعتقاد بأنّ هناك موافقة ضمنية على ذلك وأن "إسرائيل لن تتدخل".
وقال دبلوماسي مقيم في دمشق إن السلطات السورية كانت "مفرطة في الثقة" في عمليتها للسيطرة على السويداء، "بناء على الرسائل الأميركية التي اتضح أنها لا تعكس الواقع".
وكان المبعوث الأميركي بيريك قد قال علنا وفي اجتماعات خاصة في دمشق إن سوريا يجب أن تكون "دولة واحدة"، من دون حكم ذاتي لطوائفها الدرزية والكردية والعلوية.
وقال لانديس إنه يبدو أن الشرع فهم تصريحات بيريك الرافضة لأيّ نظام اتحادي في سوريا "على أنّها تعني أن الحكومة المركزية يمكن أن تفرض إرادتها على الأقلية الدرزية بالقوة".
وتمكنت رويترز من التحقق من توقيت وموقع بعض مقاطع الفيديو التي تظهر جثث القتلى في السويداء، لكنها لم تتمكن من التحقق بشكل مستقل من الجهة التي نفذت عمليات القتل أو متى وقعت.

لماذا لم يسيطر الشرع على الأحداث؟

قال مصدر مخابراتي إن الشرع لم يسيطر على الأحداث على الأرض بسبب عدم وجود جيش منضبط واعتماده بدلا من ذلك على خليط من جماعات مسلحة، أغلبها له خلفية متشددة.
وخلال العنف الطائفي الذي شهدته منطقة الساحل السوري في مارس، قُتل المئات من الأقلية العلوية على أيدي قوات متحالفة مع الشرع.
وصرّح المسؤول في وزارة الخارجية السورية إن الهدف من عملية السويداء لم يكن الانتقام أو التصعيد، بل الحفاظ على سلام ووحدة البلاد.
وأضاف المسؤول، الذي تحدث قبل إعلان إسرائيل الموافقة على دخول محدود للقوات السورية إلى السويداء، إن القوات السورية مستعدة للتدخل مرّة أخرى لإنهاء العنف الطائفي هناك "متى توفرت الظروف المناسبة، بما في ذلك ضمانات واضحة من الولايات المتحدة بعدم تدخل إسرائيل".

واشنطن لم تدعم الضربات الإسرائيلية

ذكرت رويترز في فبراير أن إسرائيل ضغطت في البداية على الولايات المتحدة لإبقاء البلاد ضعيفة وغير مركزية بعد سقوط بشار الأسد.
وفي مايو، التقى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع الشرع وقال إنّه سيلغي جميع العقوبات الأميركية وحثّ إسرائيل على التعامل مع دمشق، لكن جزءا كبيرا من المؤسسة السياسية الإسرائيلية لا يزال متشككا في القيادة السورية الجديدة.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، الخميس، إن الولايات المتحدة "لم تدعم" الضربات الإسرائيلية على السويداء الأسبوع الماضي.
وشكّلت الهجمات صدمة لبعض الأميركيين في سوريا. فقبل ساعات من القصف الإسرائيلي للعاصمة السورية يوم الأربعاء، وصل مسؤولون تنفيذيون من 3 شركات طاقة مقرّها الولايات المتحدة إلى دمشق لحضور اجتماعات تستمر لمدة يوم.
وقال العضو الرئيسي والمنظم، الرئيس التنفيذي لشركة أرجنت للغاز الطبيعي المسال، جوناثان باس، لرويترز إنه تلقى تطمينات كافية من واشنطن بأنّ العنف الذي اندلع في السويداء لن يتصاعد ويصل إلى دمشق.
وكان المسؤولون التنفيذيون في دمشق لعرض مشروع طاقة على وزير المالية السوري عندما وقع القصف الإسرائيلي.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة