سياسة

من النكبة إلى غزة.. إسرائيل لا تعرف طريق النهاية

نشر
blinx
في معظم الحروب التي خاضتها إسرائيل منذ نشأتها، لم تبادر يوماً إلى إنهاء القتال من تلقاء نفسها، بل كانت نهاية الحروب تُفرض عليها من قِبل قوى خارجية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وفقا لما جاء في تقرير نشرته صحيفة لوموند الفرنسية.
ويبدو أنّ هذا النمط يتكرّر اليوم في حرب غزة، التي لم تعد مجرّد معركة عسكرية، بل تحوّلت إلى وسيلة بقاء سياسي لحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يرفض أي تهدئة أو اتفاق من شأنه أن يُنهي القتال، لأنّ بقاءه في السلطة، وتفاديه للمحاسبة القانونية، باتا مرتبطين باستمرار الحرب.
ويُظهر التقرير كيف أنّ إسرائيل لا تخرج من الحروب إلا قسراً، وأنّ نتنياهو يُطيل أمد النزاع خدمةً لمصالحه الشخصية والسياسية، ولو على حساب أرواح المدنيين والرهائن ومستقبل الاستقرار في المنطقة.

حروب إسرائيل لم تنتهِ إلا بتدخل خارجي

منذ تأسيسها، لم تُنهِ إسرائيل أيّ حرب بمبادرة ذاتية، بل كانت الولايات المتحدة، في كل مرة، هي الطرف القادر على فرض وقفٍ لإطلاق النار وفرض نهاية للعمليات العسكرية. وتشير الوقائع التاريخية التالية إلى هذا النمط الثابت:
  • حرب 1948–1949: بعد إعلان قيام دولة إسرائيل، خاضت حرباً ضد جيوش خمس دول عربية، انتهت بتدخل أميركي فرض وقفاً لإطلاق النار بعد توغل إسرائيلي داخل الأراضي المصرية. هذا التدخل أدى إلى نشوء ما يُعرف اليوم بـ"قطاع غزة" بوصفه جيباً منفصلاً خضع للسيطرة المصرية آنذاك.
  • العدوان الثلاثي 1956: شنّت إسرائيل الحرب بالتنسيق مع فرنسا وبريطانيا ضد مصر. فرضت الولايات المتحدة وقفاً فورياً للعمليات العسكرية، وأجبرت إسرائيل على الانسحاب الكامل من قطاع غزة وسيناء في مارس 1957.
  • حرب الأيام الستة 1967: توسّعت إسرائيل بشكل واسع واحتلت الضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان. فرضت الولايات المتحدة وقفاً لإطلاق النار لمنع التدخل السوفييتي بعد انهيار الجبهات العربية.
  • غزو لبنان 1978: تدخلت الولايات المتحدة لوقف الاجتياح الإسرائيلي بعد أيام قليلة، تمهيداً لعقد أول معاهدة سلام بين إسرائيل ومصر.
  • انسحاب إسرائيل من لبنان وغزة بدون تفاوض: رفضت إسرائيل التفاوض عند انسحابها من جنوب لبنان عام 2000 ومن قطاع غزة عام 2005، ما أدى إلى خلق حالة من عدم الاستقرار البنيوي رغم تفوقها العسكري. وقد أعاد ذلك فتح الجبهة اللبنانية مجدداً في حرب يوليو 2006 التي اندلعت بعد قيام "حزب الله" بأسر جنديين إسرائيليين عبر الحدود، فردّت إسرائيل بهجوم واسع على لبنان استمر 33 يوماً، وأسفر عن مقتل أكثر من 1000 مدني لبناني ودمار واسع في البنية التحتية. ولم تتوقف الحرب إلا بوساطة أميركية وفرنسية أسفرت عن صدور القرار 1701 عن مجلس الأمن، الذي فرض وقفاً لإطلاق النار وانتشار الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل جنوباً.
  • الحرب مع إيران 2025: انتهت بعد 12 يوماً فقط نتيجة تدخل أميركي مباشر أجبر إسرائيل على إنهاء عملياتها ضد طهران.

نتنياهو يرفض الانتصار ويواصل الحرب

يرفض نتنياهو إيقاف العمليات العسكرية رغم تحقيق أهداف تكتيكية متعددة، كاغتيال يحيى السنوار، التوصل لتهدئة في لبنان، ومبادرات من القيادة السورية الجديدة. يواصل قصفه في لبنان وسوريا ويُبقي على منطقة منزوعة السلاح داخل سوريا بمساحة 400 كم²، في تجاهل واضح لأي مساعي إقليمية نحو الاستقرار، وفقا لتقرير نشرته صحيفة فاينانشال تايمز.
وفي أبريل 2024، أتيحت لنتنياهو فرصة فريدة لوقف حرب غزة عبر خطة هدنة مدتها 6 أسابيع تشمل مفاوضات طويلة الأمد مع حماس وإطلاق سراح عشرات الرهائن. لكن ضغوط شركائه من اليمين المتطرف، خاصة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، دفعته للتراجع خوفاً من سقوط الائتلاف وخسارة السلطة، ما كان سيعرضه للمحاسبة القضائية بتهم فساد تعود إلى عام 2020. في اللحظة الحاسمة، وعد شركاءه بعدم التقدم بأي خطة هدنة، وأمر مستشاريه بعدم عرض المقترح على الطاولة، بحسب تحقيق نشرته صحيفة نيويورك تايمز.
واعتمد الصحيفة في التحقيق على مقابلات مع 110 مسؤولين من إسرائيل وأميركا والعالم العربي، أكد أنّ الحرب طالت وتمدّدت بما يخدم نتنياهو سياسياً. فمنذ هجوم 7 أكتوبر، كانت التوقعات تشير لانهياره السياسي، لكن الحرب منحته متنفساً للاستمرار حتى انتخابات 2026 وربما الفوز بها، رغم استمرار محاكمته بتهم الفساد.

حرب غزة... حرب نجاة نتنياهو وحكومته

تشير صحيفة هآرتس أن السلوك السياسي لنتنياهو يُظهر أنّ الحرب ليست فقط خياراً عسكرياً بل ضرورة سياسية، حيث أن تحالفه مع اليمين المتطرف جعله رهينة لمطالبهم بالسيطرة الكاملة على غزة وإعادة الاستيطان. وبدلاً من إعطاء الأولوية لتحرير الرهائن، يستخدم صدمة 7 أكتوبر لتبرير التصعيد وتجنّب المساءلة.
وقد أقال نتنياهو في خريف 2024 وزير دفاعه وقادة عسكريين آخرين اعترضوا على إطالة أمد الحرب دون أهداف عسكرية واضحة. أما مفاوضات تحرير الرهائن، فليست سوى واجهة تكتيكية، حسب مصادر إسرائيلية، لا ترمي لتحقيق نتائج بل إلى كسب الوقت.

نتنياهو يصنع أعداءً ليحاربهم لاحقاً

تفيد صحيفة فاينانشال تايمز أن نتنياهو اعتمد منذ الثمانينيات من القرن الماضي سياسة بناء الأعداء لضربهم لاحقاً. دعمت إسرائيل، ضمنياً، نشأة حماس لإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية، وسهّلت تمويلها حتى ما قبل 7 أكتوبر.
واليوم، توزّع إسرائيل السلاح والمال على جماعات مسلّحة في غزة لمحاربة حماس نفسها، في محاولة لإضعاف أي مشروع دولة فلسطينية مستقبلية، بحسب فاينانشال تايمز.
وفي مفارقة تاريخية، كان نتنياهو، كدبلوماسي في الثمانينات، مؤيداً لبيع السلاح لإيران خلال حربها مع العراق، خشية انهيار "الجمهورية" التي سعت إلى إسقاطها خلال حرب الـ 12 يوما لتقويض جهود طهران النووية.
وقد خلصت صحيفة نيويورك تايمز إلى ثلاث نتائج:
  • سياسة نتنياهو أسهمت في تقوية حماس قبل الحرب
  • هجماته على القضاء عمّقت الانقسامات داخل إسرائيل
  • قراراته في زمن الحرب خضعت لحساباته السياسية والشخصية.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة