سياسة

بعد 6 أشهر في دمشق.. ما العقبات التي تواجه سلطة الشرع؟

نشر
AFP
خلال الأشهر الستة الأولى من تسلمه الحكم، استطاع الرئيس الانتقالي أحمد الشرع تحقيق مكاسب دبلوماسية، من أبرزها إعادة الانفتاح على المجتمع الدولي ورفع عقوبات اقتصادية خانقة كانت تكبل البلاد لعقود. هذا التقدم منح إدارته دفعة سياسية قوية، وأعاد بعض الأمل في إمكانية استعادة الاستقرار بعد سنوات من العزلة والضغوط. كما أبدى الشرع قدرة على توجيه الخطاب السياسي نحو المصالحة والانفتاح، مما جعله محل ترحيب في عواصم إقليمية وغربية عدة.
لكن رغم هذه النجاحات الأولية، يرى مراقبون أن التحدي الحقيقي يبدأ الآن. فالمهمة الأصعب تكمن في ترسيخ مؤسسات حكم فعالة، والبدء بإعادة بناء الاقتصاد المنهك، وتحقيق إنعاش سريع يلمسه المواطنون في حياتهم اليومية. إلى جانب ذلك، يواجه الشرع تحديًا وطنيًا بالغ الحساسية يتمثل في الحفاظ على وحدة البلاد وتوازناتها الداخلية في ظل انقسامات متجذّرة.
كيف يمكن للشرع المضي قدما في الحكم وتخطي تلك الصعوبات، بحسب تقرير فرانس برس؟

بناء الدولة

حين وصل إلى دمشق في الثامن من ديسمبر، بعد إطاحة حكم بشار الأسد، وجد الشرع نفسه أمام 4 سلطات، لكل منها مؤسساتها الاقتصادية والعسكرية والقضائية والمدنية:
  • حكومة مركزية في دمشق
  • حكومة انقاذ تسيّر شؤون إدلب
  • حكومة تتولى مناطق سيطرة فصائل موالية لأنقرة شمالا
  • الإدارة الذاتية الكردية
ويقول المدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن رضوان زيادة لوكالة فرانس برس إذا تمكن الشرع من ضمان "الاستقرار في بلد هش سياسيا في مرحلة عصيبة، فهذا انجاز كبير يُحسب" له، بحيث يعد "إنجاح المرحلة الانتقالية" التي حدّد مدتها بخمس سنوات، "التحدي الأكثر صعوبة".

ضمان الأمن والتعامل مع الأقليات

زعزعت أعمال العنف ذات الطابع الطائفي التي طالت الأقلية العلوية وأسفرت خلال يومين عن مقتل أكثر من 1700 شخص، ثم المكون الدرزي، الثقة بقدرة السلطة على فرض الاستقرار وحفظ حقوق أقليات قلقة على دورها ومستقبلها.
ويوضح زيادة "التعامل مع الأقليات من أبرز التحديات الداخلية، وبناء الثقة بين المكونات المختلفة يحتاج الى جهد سياسي أكبر لضمان تحقيق التعايش والوحدة الوطنية".
وتصطدم مساعي الشرع لبسط سيطرته بمطلب الأكراد بصيغة حكم لامركزي تمكنهم من مواصلة إدارة مؤسساتهم، وهو ما ترفضه دمشق.
ويقول القيادي الكردي البارز بدران جيا كورد لفرانس برس "على الحكومة الموقتة أن تبتعد عن الحلول الأمنية والعسكرية لمعالجة القضايا" العالقة وأن "تنفتح أكثر على قبول المكونات السورية.. وإشراكها في العملية السياسية".

تفادي حرب أهلية خلال المرحلة الإنتقالية

ولا يلحظ الإعلان الدستوري إجراء أي انتخابات في الفترة الانتقالية، على أن يصار في ختامها وبعد وضع دستور جديد إلى إجراء انتخابات تشريعية.
وحذر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الشهر الماضي من أن السلطة الانتقالية "في ضوء التحديات التي تواجهها، قد تكون على بعد أسابيع.. من حرب أهلية شاملة" تؤدي "فعليا إلى تقسيم البلاد".
ويقول الباحث لدى مركز تشاتام هاوس نيل كيليام لفرانس برس إن أكبر تحديات الشرع هي "رسم مسار للمضي قدما، يريد جميع السوريين أن يكونوا جزءا منه، وأن يتم بذلك بسرعة كافية، ومن دون تهور".

تنظيم الأمن

مقارنة مع دول شهدت تبدلا سريعا في السلطة، تمكّن الشرع عموما من ضمان استقرار نسبي، رغم حلّه أجهزة الأمن والجيش السابقة.
لكن الأمن لم يستتب بالكامل بعد. فتُسجل دوريا عمليات خطف وقتل واعتقال، من قبل فصائل تابعة للسلطة أو مجموعات مجهولة، وفق ما يوثق المرصد السوري لحقوق الانسان وسكان ينشرون شهاداتهم عبر الانترنت.
وأثارت أعمال العنف ذات الطابع الطائفي، خصوصا ضد العلويين، شكوكا إزاء قدرة الشرع على ضبط فصائل مختلفة، بينها مجموعات متطرفة تثير قلق المجتمع الدولي وطالبت واشنطن الشرع بدعوتها الى المغادرة.
واتخذت السلطات مؤخرا سلسلة إجراءات لتنظيم المؤسستين الأمنية والعسكرية، بينها وجوب انضمام قادة الفصائل إلى الكلية الحربية قبل درس ترقيتهم.

انضمام المقاتلين الأجانب للجيش الوطني

منذ تولي القيادة الجديدة الحكم بعد الإطاحة بالأسد، واجهت سوريا صعوبة كبيرة في دمج المقاتلين الأجانب، خصوصاً أولئك الذين انخرطوا في فصائل متشددة، ضمن مؤسسات الدولة أو الجيش.
لكن هذا الواقع تغيّر مؤخرًا مع موافقة أميركية غير مباشرة على خطة طرحتها القيادة السورية الجديدة تسمح بدمج آلاف المقاتلين الأجانب في الجيش، في تحول كبير في نهج كل من واشنطن ودمشق تجاه هذه القضية الحساسة.
المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس باراك، أشار إلى وجود "تفاهم وشفافية" بشأن هذه الخطوة، معتبرًا أن دمج هؤلاء المقاتلين في مشروع دولة أفضل من تهميشهم ودفعهم نحو التطرف مجددًا.
ويُعد هذا التحول في السياسة الأميركية نتيجة للتقارب الأخير بين إدارة ترامب والقيادة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس المؤقت، والذي التقى ترامب في الرياض خلال جولته الإقليمية.

انفتاح اقتصادي ومطالب

ورث الشرع من الحكم السابق بلدا على شفير الإفلاس: اقتصاده مستنزف، مرافقه الخدمية مترهلة، نظامه المالي معزول عن العالم، وغالبية سكانه تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة.
وانعكس التغيير على حياة الناس، لناحية توافر الوقود وسلع ومنتجات بينها فواكه لم يكن استيرادها ممكنا. وبات التداول بالدولار شائعا بعدما كان محظورا.
ومع رفع العقوبات الاقتصادية خصوصا الأميركية، يولي الشرع، وفق مصدر مقرب منه، أولوية كبرى لمكافحة الفقر ورفع مستوى دخل الفرد. ويعتبر ذلك ممرا "لترسيخ الاستقرار".
لكن رفع العقوبات لا يكفي وحده، ويتعين على السلطات اتخاذ خطوات كثيرة.
ويقول الخبير الاقتصادي كرم الشعار لفرانس برس "وضوح الأفق، بمعنى الاستقرار السياسي، يعد نقطة هامة على طريق التعافي الاقتصادي، لكن هناك عوائق أخرى، أهمها الإطار الناظم ومجموعة القوانين اللازمة للاستثمار، والتي تبدو للأسف غامضة في جزئيات كبيرة".
وأعلنت السلطات أنها تعيد النظر حاليا بقانون الاستثمار، وتعمل على تهيئة بيئة جاذبة للاستثمارات الخارجية، قال الشرع إن بلاده تعول عليها للنهوض بقطاعات البنى التحتية والمرافق الخدمية.
وتوفير خدمات الكهرباء والتعليم والانتاج الزراعي، مسألة حيوية لانماء المناطق المدمرة، من أجل عودة ملايين اللاجئين، وهو مطلب تريد تحقيقه دول أوروبية وأخرى مجاورة لسوريا، كتركيا والأردن ولبنان.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة