تهميش أوروبا في "مفاوضات إيران".. هل يسرع الضربة العسكرية؟
"نتابع المحادثات باهتمام" كان هذا هو رد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو المقتضب حينما سئل عن المباحثات المرتقبة بين إيران والولايات المتحدة، ١٢ أبريل الجاري، لتعكس الحالة التي أصبح عليها التنسيق بين واشنطن والاتحاد الأوروبي في هذا الأمر.
فالولايات المتحدة لم تُطلع الدول الأوروبية على المحادثات النووية في عُمان قبل أن يعلنها الرئيس دونالد ترامب، رغم ما تحمله هذه الدول من أوراق رابحة، فهي تملك آلية إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران بموجب الاتفاق الموقع عام 2015 والذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولى عام 2018.
هذا الأمر يجعل نفوذ الولايات المتحدة في التفاوض أقل وتزيد احتمالات لجوء واشنطن إلى عمل عسكري ضد طهران، بحسب ما يقول محللون ودبلوماسيون لرويترز.
يأتي ذلك في وقت قال فيه المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي على إكس "سنعطي الدبلوماسية فرصة حقيقية بحسن نية ويقظة تامة. على أميركا أن تُقدّر هذا القرار الذي اتُّخذ رغم خطابها العدائي".. فكيف همش ترامب أوروبا في هذه المفاوضات؟
قال بليز ميستال، نائب رئيس السياسات في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي "ستحتاج الولايات المتحدة إلى استراتيجية دبلوماسية منسقة مع حلفائها الأوروبيين قبل خوض هذه المفاوضات مع إيران".
وأضاف ميستال أن هذا التنسيق "ضروري لضمان أقصى قدر من الضغط، وأن يكون لأي خيار دبلوماسي فرصة للنجاح".
وكرر ترامب، الذي استأنف حملة "أقصى الضغوط" على طهران في فبراير شباط، يوم الأربعاء تهديداته باستخدام القوة العسكرية ضد إيران إذا لم توقف برنامجها النووي، وقال إن إسرائيل "ستقود ذلك".
لا فعالية دون الترويكا الأوروبية
مع انسحابها من الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 مع إيران، فإن واشنطن لا تستطيع تفعيل آلية إعادة فرض العقوبات بمجلس الأمن الدولي.
ويقول محللون إن هذا يجعل بريطانيا وألمانيا وفرنسا، المعروفة باسم الترويكا الأوروبية، الدول الوحيدة المشاركة في الاتفاق القادرة على السعي إلى إعادة فرض العقوبات والراغبة في ذلك مشيرين إلى أهمية تحالف واشنطن مع هذه الدول.
وضغطت إسرائيل، العدو اللدود لإيران، بالفعل على الدول الأوروبية الثلاث لبدء هذه العملية.
وقال الدبلوماسيون الثلاث إن الترويكا أبلغت إيران بأنها ستفعل آلية إعادة فرض العقوبات بنهاية يونيو، وأضاف الدبلوماسيون أن إيران ردت بأن ذلك سيؤدي إلى عواقب وخيمة ومراجعة عقيدتها النووية.
وقال دبلوماسي أوروبي كبير إن "مجموعة الدول الثلاث لا تثق بالولايات المتحدة لأنها (واشنطن) تتخذ مبادرات دون التشاور معها".
كان ترامب قد انسحب عام 2018 من الاتفاق النووي مع إيران، الذي وقعته أيضا روسيا والصين. وقد كبح الاتفاق الأنشطة النووية الإيرانية مقابل تخفيف العقوبات.
وتعارض روسيا إعادة فرض العقوبات.
وبموجب الاتفاق النووي، يمكن للأطراف المشاركة فيه بدء عملية إعادة فرض العقوبات إذا لم يتمكنوا من حل اتهامات بانتهاكات إيرانية وذلك من خلال آلية فض النزاعات، لكن الفرصة تنتهي في 18 أكتوبر مع انتهاء سريان الاتفاق.
ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، تجاوزت إيران حدود تخصيب اليورانيوم المسموح بها بكثير، وفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتُنتج طهران مخزونات من المواد الانشطارية بنقاء يفوق بكثير ما تعتبره القوى الغربية مبررا لبرنامج طاقة مدني، ويقترب من الدرجة اللازمة لصنع أسلحة نووية.
دور للترويكا الأوروبية قبل ترامب
تعتبر الدول الأوروبية الثلاث دورها أساسيا في التوصل إلى حل، خاصة بعد أن أجرت معا مفاوضات مع إيران حول الملف النووي لفترة طويلة تعود إلى عام 2003. وفي اتفاق عام 2015، كان هناك عامل جذب رئيسي لإيران وهو القدرة على ممارسة التجارة مع أوروبا.
وساعد الأوروبيون الولايات المتحدة في الضغط على إيران في الأشهر القليلة الماضية، بما في ذلك في الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبفرض عقوبات جديدة على إيران بسبب برنامجها للصواريخ الباليستية واحتجازها مواطنين أجانب ودعمها لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.
وخلال الفترة الانتقالية التي سبقت تنصيب ترامب رسميا، حاول الأوروبيون أخذ زمام المبادرة بإجراء محادثات استكشافية مع إيران بدأت في سبتمبر واستمرت.
وأكدت الترويكا أن ذلك كان ضروريا لأن الوقت ينفد قبل انقضاء أجل اتفاق عام 2015 في 18 أكتوبر الماضي. وحاولوا استكشاف إمكانية التفاوض على قيود جديدة، وإن كانت أضيق نطاقا من تلك المتفق عليها في عام 2015، قبل انتهاء مدة سريان الاتفاق.
وقال دبلوماسيون إن المسؤولين الإيرانيين سألوا نظراءهم مرارا خلال تلك المحادثات عن الإدارة الأميركية الجديدة.
وذكر مسؤول إيراني "تعتقد إيران أن المحادثات مع الترويكا والأطراف الأخرى في الاتفاق النووي يمكن أن تساعد في تهدئة التوتر بشأن برنامجها النووي، ويمكن أن تكون مكملة للمحادثات مع الولايات المتحدة".
ترامب يلعب منفردا دون أوروبا
يتماشى نهج الإدارة الأميركية مع نهج ترامب خلال ولايته الأولى، حين أعطى الأولوية أيضا لمحادثات أحادية الجانب مع إيران، ومع موقفه من الحرب في أوكرانيا، إذ بدأت واشنطن محادثات مباشرة مع موسكو، مهمشة الأوروبيين.
وعقد مسؤولون أوروبيون بعض الاجتماعات مع نظرائهم الأميركيين، لكنهم قالوا إنها لم تكن متعمقة بما يكفي.
وذكر ثلاثة مسؤولين من الترويكا أنه كان من الصعب حتى ترتيب اجتماع بشأن إيران مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على هامش اجتماع وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي قبل أسبوع من إعلان ترامب.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية "ما زلنا ملتزمين باتخاذ كل خطوة دبلوماسية لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، ومنها آلية إعادة فرض العقوبات إذا اقتضت الحاجة".