كيف يهز "جدار برلين الجديد" الديمقراطية الألمانية؟

٢٠٠٩، كان الألمان على وشك الاحتفال بمرور عقدين على سقوط جدار برلين الذي فصل ألمانيا، لكن ثمة دراسة كانت جديرة بالاهتمام، فالمعهد البحثي IWH أصدر تقريره أخيرا عن تكلفة الوحدة، التي وصلت إلى حوالي 1.3 تريليون يورو (1.9 تريليون دولار) تم تحويلها من الغرب لإعادة بناء الشرق، حسب ما أفادت رويترز، لكن تلفزيون DW الألماني يشير إلى أن التكلفة الإجمالية تجاوزت تريلوني يورو.

ورغم كل هذه الأموال التي أدت إلى التقارب في بعض المجالات بين شطري ألمانيا بعد الاتحاد، فإن السياسات المرتبطة بإعادة التوحيد بين الجانبين فشلت في معالجة سوق العمل غير المستقر بأجوره المنخفضة، ومعدلات البطالة المرتفعة، وعدم كفاية الوصول إلى المهارات والتدريب.

أدى هذا الأمر إلى موجة هجرة من سكان الشرق إلى الغرب ليخسر الجانب الشرقي 1.75 مليون مواطن ذهبوا إلى الغرب بين 1989 و2019، ومع حساب معدلات الميلاد والوفاة والحركات الصافية إلى الخارج، فقد خسرت ألمانيا الشرقية إجمالا ٣ ملايين شخص من أبنائها خلال الفترة ذاتها، لتصبح ألمانيا الشرقية بنفس حجمها السكاني عام ١٩٠٥، بحسب ما تشير دراسة resolution foundation عام ٢٠٢٢.

أظهر استطلاع حديث للرأي أن هناك استياء كبيرا من أداء الديمقراطية في ألمانيا، وخاصة في الجزء الشرقي من البلاد.

وأعرب ما يقرب من 40% من المشاركين في الاستطلاع على مستوى ألمانيا عن استيائهم من أداء الديمقراطية، وارتفعت النسبة إلى 53% في شرق ألمانيا، بحسب "مؤشر ألمانيا"، الذي تصدره جامعتا ينا وهاله-فيتنبرغ بالتعاون مع معهد لايبنتس للعلوم الاجتماعية في مانهايم.

وفي غرب ألمانيا، بلغت نسبة الاستياء 36%.

وعزا النائب البرلماني المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، كارستن شنايدر، النتائج إلى الشعور المستمر بانخفاض القيمة الذي يشعر به الألمان في شرق البلاد منذ إعادة توحيد شطري ألمانيا في تسعينيات القرن الماضي، إلى جانب الافتقار إلى التمثيل السياسي الكافي.

وقال شنايدر، وهو مفوض الحكومة الألمانية لشؤون شرق ألمانيا: "نحن بحاجة إلى المزيد من الألمان الشرقيين في المناصب القيادية".

وأشار شنايدر إلى أن المناطق الضعيفة هيكليا في شرق ألمانيا تسجل أعلى نسبة عدم رضا وصلت إلى 56٪، مضيفا أن الارتباط بين انخفاض الثقة في الديمقراطية والمشكلات الاقتصادية في المنطقة، يظهر بوضوح.

وعلى الرغم من ذلك، أيد جميع الذين شملهم الاستطلاع تقريبا (98%) فكرة الديمقراطية بوجه عام. ودعم 95٪ من الألمان المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء، ودعم 89٪ التعايش السلمي بين جميع الأديان.

ومع ذلك، كانت الآراء أكثر انقساما بشأن قضايا مثل الهجرة، حيث اعتبرها 56٪ فقط فرصة، ودعم 57٪ هدف مستقبل سياسات المناخ.

في سبتمبر ٢٠٢٤ كان رد الشرق على ما يحدث، بتصويت مقاطعتي تورينغن وساكسونيا لصالحه، ليحل في المركزين الأول والثاني تباعا، محققا نتائج وصفت بـ"التاريخية".

هذا التصويت أثار تساؤلات جاء ردها في رسالة ديتليف كلاوسن، أستاذ السوسيولوجيا الفخري من فرانكفورت لمجلة فورين بوليسي التي قال فيها إن حزب البديل من أجل ألمانيا، AFD، هو انتقام الشرق من الغرب، فـ"جوهر التصويت اليميني المتطرف يعد تعبيرا عن الاستياء من الغرب".

ويمكن قراءة ذلك من خلال ما يشعر به المواطنون في ألمانيا من الفروق بين شطري البلاد، إذ أشار استطلاع للرأي عام ٢٠٢٣، إلى أن 37% فقط من الألمان يعتقدون أن شطري البلاد حققا نموا "كأمة واحدة"، بينما رأى 60% انقسامًا أكثر من الوحدة.

في حين أظهرت دراسة عام ٢٠١٩، أن رؤية نمو الشرق والغرب بشكل متساو وصلت إلى 51%، مع وجود 45% أعربوا عن اعتقادهم بوجود انقسام.

وكان التشكك أعلى في أحدث استطلاع بين الألمان الأكبر سنًا، ومواليد "الشرق السابق"، حيث أعرب 75% من العينة عن وعيهم بالانقسام رغم مرور 34 عاما من سقوط جدار برلين، بحسب DW.