لبنانيون يسألون نعيم قاسم.. هل تعلم كم كلّف "النصر"؟

ضمن خطابه، تطرّق قاسم بشكل سريع إلى مسألة إعادة الإعمار في لبنان بعد الحرب، لكنه لم يتحدث عن تاريخ بدء هذه العملية التي ينتظرها اللبنانيون بفارغ الصبر، بعدما تدمّرت منازلهم بفعل القصف الإسرائيلي، كما أنه لم يدخل في تفاصيل الخسائر التي مُنِي بها لبنان.

يقول المحلل السياسي اللبناني، داوود رمّال، لـ"بلينكس"، إنه كان ينتظر أن يعلن قاسم آليات إعادة الإعمار، لكن ذلك لم يحدث، وقال "يبدو أن حزب الله ليست لديه خريطة واضحة بهذا الشأن، لاعتبارات تتصل بالمحاذير الدولية".

وعدّ رمال أن "عملية إعادة الإعمار بعد الحرب الأخيرة، لن تكون على غرار العملية التي حصلت في لبنان عقب حرب يوليو 2006"، وقال: "الآن، سيكون الإعمار وفق رقابة دولية شفافة، ولن يكون تسليم الأموال بشكل نقدي، فالأمر هذا غير ممكنٍ، كي لا ينتقل لبنان من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي الدولية، إلى القائمة السوداء".

بدوره، تساءل الكاتب السياسي عارف العبد، في حديثه عبر "بلينكس"، عن حقيقة وجود أموال مخصصة للإعمار بيد "حزب الله"، مشيرا إلى أنه لا توجد حتى الآن تقديرات واضحة للخسائر، ولا خطة حكومية جليّة بشأن إعادة الإعمار.

واعتبر العبد أنّ مسألة إعادة الإعمار ستفتح إشكالية كبيرة في البلاد، باعتبار أن الإصلاحات ستكون واسعة، كما أن الأموال المطلوبة لذلك ستكون ضخمة، مشيرا إلى أنه كلما تأخّرت عملية إعادة الإعمار، تفاقمت أزمة النزوح، مضيفا: "هذه كرة نار تكبر في وجه حزب الله، علما بأن قاسم أغفلها، ولم يتطرق إليها أو إلى حلولها".

واليوم الجمعة، ذكرت لجنة الطوارئ الحكومية أن هناك 33758 نازحا، موزّعين على 713 مركزا، وهو رقم وصفه العبد بـ"الضخم" وغير العادي.

الخبير العسكري جورج نادر، قال لـ"بلينكس"، إن حديث قاسم عن "انتصار"، يمثّل استمرارا لـ"حالة إنكار" يعيشها حزب الله، ويضيف "مع كل الخسائر التي مُنِي بها، عسكريا وذاتيا، يخرج الأمين العام للحزب ليقول إنه انتصر.. عن أي انتصارٍ يتكلّم، وما هو مفهوم الانتصار لديه؟ قاسم لم يوضّح شيئا في هذا الإطار، وقدم لنا كلاما جافا، لا يستند إلى معايير منطقية".

ويتابع: "في الأساس، فإن كلام قاسم عن الانتصار موجّه لجمهور حزب الله، لكنه يفتقر إلى الواقعية. إسرائيل وصلت إلى نهر الليطاني وحصلت على ضمانات بالتحرك ضد لبنان، حينما ترى أي هدف يهددها، في حين حزب الله وافق على الانسحاب إلى شمال نهر الليطاني وتسليم منطقة جنوب النهر التي كان يوجد فيها إلى الجيش اللبناني.. فما هو الانتصار الذي حصل؟".

بدوره، استغرب العبد حديث قاسم عن "الانتصار"، مشيرا إلى أنّ هذا الأمر يؤكد أن "حزب الله" لم يُجرِ مراجعة نقدية لسلوكه ولوضعه بعد الحرب، وقال: "ما يبدو هو أن الحزب مُستمر بنهجه السابق بعد الخسائر التي مُنِي بها، فيما لم يستخلص الدروس والعبر من المعركة التي حصلت، وهذا دليلٌ على عدم الواقعية".

وتابع: "أيضا، لم يشرح لنا قاسم أهداف الحرب وحقيقتها، وما الذي قدّمه شعار إسناد غزة للقطاع الفلسطيني، كذلك لم يتحدّث عن نتائج الحرب الكارثية على لبنان، وهو أمر يمثّل إنكارا جديدا للواقع".

في المقابل، يرى رمال أن كلام قاسم عن التزام حزب الله بـ"اتفاق وقف النار" اقترن بعدم رفع شعارات تحدٍّ جديدة، وقال "قاسم لم يتحدّث عن زوال إسرائيل، ولا عن وحدة الساحات التي تم نقضها، وهذا دليل على تحوُّلٍ ما، بدأت تظهر معالمه".

مع هذا، فإن نادر والعبد ورمال أجمعوا على أنّ النقطة الإيجابية الأساسية في كلام قاسم، تتمحور حول إعلان التزام "حزب الله" باتفاق الطائف الذي أنهى حرب لبنان الأهلية عام 1989، وعبره تشكّل دستور لبنان الجديد، معتبرين أن هذا الأمر مطلوب منذ زمن طويل.

ضمن خطابه، أشار قاسم إلى أن "حزب الله" وافق على اتفاق وقف إطلاق النار، استنادا للقرار 1701، علما بأن التسوية الأخيرة التي حصلت تنصّ على بند أساسي، وهو تفكيك حزب الله بنيته العسكرية في منطقة جنوب الليطاني التي تبدأ من النهر هناك، وصولا إلى الحدود مع إسرائيل.

قاسم ألمح إلى الالتزام بهذا الاتفاق عبر "تنسيق عالي المستوى" مع الجيش، على حد تعبيره، فما الرسائل وراء ذلك؟

يقول رمال إن إشادة قاسم بالجيش ووصفه بـ"الوطني"، كلامٌ يتناغم مع المرحلة الجديدة التي ستشهدها المنطقة، مع وصول إدارة أميركية جديدة برئاسة دونالد ترامب، موضحا أن "خفض التصعيد في المواقف يتلاءم مع هذه المرحلة، إذ لا يمكن لحزب الله أو غيره الوقوف في وجه إدارة ترامب".

رمّال عدّ أيضا أن مصلحة "حزب الله" هي في تولي الجيش منطقة جنوب الليطاني، كاشفا أن الحزب "جاهز لتسليم الجيش كل المنشآت التابعة له في تلك المنطقة".

بدوره، يلفت نادر إلى أن حديث قاسم عن الجيش بـ"إيجابية" هو أمر مرحب به، لكنه قال إن "تفكيك الحزب للبنى التحتية التابعة له هو عنوان هزيمة، يُضاف إلى هزيمة من نوع آخر، مرتبطة ببندٍ غير مُعلنٍ في وقف إطلاق النار، يتمثّل بحصول تعاون استخباراتي أميركي-إسرائيلي، لمراقبة حركة إيران وحزب الله في لبنان".

وقال "هذا البند هو الأخطر، ويمنح إسرائيل حريةً بضرب أي هدفٍ يهدّد وجودها، ما يعني انتقاصا للسيادة اللبنانية، بكل ما للكلمة من معنى".