سياسة
كشفت دراسة أميركية عن عدة أسباب جوهرية تحول دون ممارسة الصين أي دور فعّال في الصراع في غزّة، حيث لم تظهر بكين قدرتها على لعب دور دبلوماسي له معنى.
وفقاً لدراسة بحثية، لمايكل سينغ، الباحث الأميركي، مدير برنامج "منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط" بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، والتي تلقت بلينكس نسخة منها، فإن النفوذ الدبلوماسي الفعلي لبكين في الشرق الأوسط مازال محدوداً، بالرغم من التشكيك في سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة، حيث تمكنت واشنطن على الدوام من العمل كوسيط في أزمات الشرق الأوسط.
وفق الدراسة، تتمتع واشنطن بميزتين أساسيين تتفوق بهما على الصين في المنطقة، هما: العلاقات الوثيقة، وإن لم تكن دافئة دائماً، مع معظم الأطراف الرئيسية، واستعدادها لتكبد التكاليف، سواء كانت اقتصادية أم عسكرية، من أجل إحداث التغيير والمحافظة على النتائج التي يتم تحقيقها هناك.
الدراسة تقول إن الصين فشلت في اكتساب نفوذ دبلوماسي كبير على أي دولة في الشرق الأوسط، حتى إيران، أو إبداء أي استعداد لبذل الدماء والأموال سعياً لتحقيق أهدافها هناك، وينطبق الأمر ذاته على أزمة اليوم في غزّة.
نبّهت الدراسة، إلى أنه لصداقة دول المنطقة ثمن، لن تستطيع الصين دفعه. وأشارت إلى أنه بينما تسعى الصين صراحة إلى انهاء الصراع في غزّة، مازالت شريكتها إيران تحاول تأجيج الصراع عبر وكلائها في المنطقة.
أعلام خمس دول عربية استضافتهم الصين في ٢٠ نوفمبر، ٢٠٢٣ لبحث الحرب الإسرائيلية على غزة. أسوشيتدبرس
وأكدت الدراسة على أنه من غير المرجح أن تكتسب الصين دوراً دبلوماسياً مهماً في التأثير على النزاع أو عواقبه ما لم تقدم واشنطن لبكين مقعداً على الطاولة، وهو أمر لا ينبغي عليهم أخذه في الاعتبار، إلا إذا كانت الصين مستعدة لكسب هذا المقعد من خلال اتباعها سياسات بناءة.
الدراسة أشارت إلى أن سياسة "أصدقاء مع الجميع" التي تتبناها الصين في التعامل مع الأزمات الكبرى، ربما يكون لها مردودا إيجابيا من الوهلة الأولى، لكنها على المدي البعيد تؤتي بنتائج عكسية، لا سيما أنها تعكس موقف بكين الممانع من القضايا الكبرى.
ولكن في الآونة الأخيرة، بدا أنها تنظر إلى مثل هذه النزاعات باعتبارها فرص لتحويل الضغط الدبلوماسي والرأي العام الدوليين ضد واشنطن، وهي المقاربة التي أرغمتها بشكل أساسي على الانحياز ضد حلفاء الولايات المتحدة مثل إسرائيل وأوكرانيا، ومن المؤكد أن زعماء المنطقة الآخرين، سوف يلاحظون السهولة الواضحة التي تجاهلت بها الصين هذه العلاقات لمجرد تسجيل نقاط ضد الغرب، بحسب الدراسة.
وزير الخارجية الصيني مستقبلاً وزراء خارجية خمس دول عربية خلال قمة استضافتها بكين بشأن غزة في ٢٠ نوفمبر، ٢٠٢٣. أسوشيتدبرس
وفي دراسته البحثية قال سينغ "تاريخياً سعى المسؤولون الصينيون عادةً إلى تجنب التورط في قضايا الشرق الأوسط، لكن في أزمة غزة سعت بكين إلى انتقاد السياسات الأميركية في المنطقة"، ويشكل هذا النهج خروجاً صارخاً عن جمود بكين في الماضي تجاه النزاعات في الشرق الأوسط.
كشفت الدراسة عن استثمارات صينية كبيرة في إسرائيل، على الرغم من أن بكين من أشد المؤيدين للحقوق الفلسطينية، موضحة أنه خلال عهد ماو، كانت بكين الراعي الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية، معتبرةً نضالها أحد جوانب النضال الأوسع نطاقاً ضد "الإمبريالية الغربية".
مظاهرة في تايوان داعمة للفلسطينيين في نوفمبر، ٢٠٢٣. أسوشيتدبرس
لكن عندما بدأت الصين تركّز بشكل أكبر على التنمية الاقتصادية في عهد خليفة ماو، تراجع دعمها لمنظمة التحرير وبدأت علاقتها مع إسرائيل بالازدهار، في البداية من خلال مبيعات الأسلحة والتعاون الأمني، ثم لاحقاً من خلال إعادة العلاقات الدبلوماسية الرسمية في عام 1992.
هذه العلاقة استمرت بالتطور حتى القرن الحالي، مع توقيع الدولتين على "شراكة الابتكار الشاملة" في عام 2017، حيث أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لإسرائيل.
اتفاق تعاون تكنولوجي بين إسرائيل والصين خلال اجتماع في بكين، ٢٠١٧. أسوشيتدبرس
وكشفت الدراسة، عن أنه بتتبع الاستثمارات الصينية في إسرائيل، نجد أنه في عام 2014، على سبيل المثال استثمرت الصين 4 مليارات دولار لديها، ولكنها قدمت للفلسطينيين مساعدات بقيمة مليون دولار فقط، في حين أن دولة مثل اليابان قدمت 200 مليون دولار كمساعدات للفلسطينيين في ذلك العام، بالإضافة إلى أنه في العقد الذي مضى منذ ذلك الحين، تضاعفت التجارة بين الصين وإسرائيل من 11 مليار دولار إلى أكثر من 23 مليار دولار.
شددت الدراسة، على أن تطور العلاقات الاقتصادية "الصينية - الإسرائيلية" أصبح محل قلق في واشنطن، حيث أصبحت بكين وبسرعة مستثمراً رئيسياً في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، وبالتالي تمكنت من الوصول إلى الابتكارات المتطورة في مجال التكنولوجيا الحيوية، والذكاء الاصطناعي، وغيرها من القطاعات الناشئة التي تغطيها استراتيجية "صُنع في الصين 2025".
وعندما فازت "مجموعة موانئ شنغهاي العالمية" المملوكة للدولة بمناقصة في عام 2015 لتشغيل محطة جديدة في حيفا، كانت سفن البحرية الأميركية ترسو هناك، الأمر الذي أثار الغضب في واشنطن، وطالب حينها بعض المسؤولين بزيادة التنسيق "الأميركي - الإسرائيلي" بشأن السياسة تجاه الصين، بما في ذلك عملية جديدة لإخضاع استثماراتها للمراجعات الأمنية.
بكين وتل أبيب تقعان على اتفاق للتكنولوجيا في ٢٠١٧. أسوشيتدبرس
وأشارت الدراسة، إلى أن سياسة بكين تجاه الفلسطينيين، عادة ما تكون مجرد أقوال لا تقترن بالأفعال على الأرض، ففي عام 2010 على سبيل المثال، انتقدت بكين بشدة إسرائيل لبنائها "الجدار العازل" في الضفة الغربية، وإدانة غارتها على أسطول غزّة عام 2010، كما صوّتت لصالح تحقيق الأمم المتحدة في جرائم الحرب بعد نزاع غزّة عام 2014، إلّا أن بكين لم تتخذ سوى القليل من المبادرات الفعلية بشأن هذه الأمور، مفضلةً الاندماج مع الحشد الدولي.
وحتى عندما أصدر الرئيس الصيني شي جين بينغ خطته ذات "النقاط الأربع" بشأن السلام "الإسرائيلي - الفلسطيني" في عام 2017، بدا أنها مصممة لتسليط الضوء على طموحات الصين كقوة عظمى أكثر من معالجة النزاع بشكل جوهري.
© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة