اقتصاد
قبل تسلمه حكم الولايات المتحدة بنحو شهرين، أعلن الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترامب، شن حربه التجارية الموعودة على 3 دول.
ترامب كشف عبر منصة تروث سوشيال، الثلاثاء 26 نوفمبر، عن تطبيق تعريفات جمركية جديدة على الصين والمكسيك وكندا منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض، في يناير المقبل.
وتنامت مخاوف حول التأثيرات المتوقعة على اقتصاد أوروبا والعالم بسبب قرارات ترامب، خاصة بعد إمكانية تحويل الصين وارداتها إلى دول أخرى ردا على الولايات المتحدة، ما ينتج عنه خلل في بعض الأسواق، وخاصة دول الاتحاد الأوروبي.
بالمقابل، ردّت الصين وكندا على قرارات ترامب بشكل فوري، إذ أشارت بكين إلى أن الحرب التي يشنها ترامب لن ينتصر فيها أحد، بسبب الخسائر التي ستقع على الطرفين.
لكن ترامب وضع شرطا غريبا لإعادة التفكير في هذه الرسوم المرتفعة، وهو إيقاف تهريب المهاجرين عبر الحدود، بالإضافة إلى المخدرات، وخصوصا مادة الفنتانيل.. فكيف تؤثر هذه الحرب الجمركية في العالم رغم ابتعادها جغرافيا؟
أعلن ترامب في سلسلة من المنشورات على منصة تروث سوشيال تفاصيل الرسوم الجمركية الجديدة التي من المقرر تطبيقها بداية من 20 يناير المقبل، مع بداية ولايته الجديدة.
وقال ترامب إن الرسوم الجمركية الجديدة ستكون ضمن أول قراراته على الإطلاق في البيت الأبيض، وفي اليوم الأول لعودته إلى الحكم.
وأشار الرئيس الجمهوري المنتخب إلى أن الرسوم الجديدة مرتبطة بشكل مباشر بوقف تدفق المخدرات إلى الولايات المتحدة، وكذلك المهاجرين غير الشرعيين.
وعن قيمة هذه الجمارك، قال ترامب إنها ستكون بنسبة 25% على الواردات القادمة من كندا والمكسيك، مع زيادة بنسبة 10% على الرسوم المفروضة بالفعل على الواردات الصينية.
وكان ترامب قد قال في وقت سابق إن التعريفة الجمركية على السلع الصينية ستصل إلى نسبة 60%، ما يجعلها غير قادرة على المنافسة في السوق الأميركية.
وفسّر ترامب في سبتمبر الماضي الهدف من فرض هذه الجمارك بأنه يرغب في دعم الصناعة المحلية، وأن النتيجة النهائية ستكون "هجرة جماعية للتصنيع من الصين إلى بنسلفانيا، ومن كوريا إلى كارولينا الشمالية، ومن ألمانيا إلى جورجيا"، على حد قوله.
جاء إعلان ترامب المبكر عن تفاصيل الرسوم الجمركية الجديدة ليمنح الوقت المناسب للصين وكندا والمكسيك، إذ سيكون أمام الدول الثلاث أقل من شهرين لدراسة البديل، والرد المناسب، وربما التفاوض قبل تنفيذ القرار.
وردت السفارة الصينية في واشنطن على إعلان الرئيس المنتخب في بيان قالت فيه: "لن ينتصر أحد في حرب ترامب التجارية"، وفقا لما جاء على وكالة رويترز.
وقال المتحدث باسم السفارة الصينية، ليو بينغ يو، على منصة إكس: "لا رابح في هذه الحرب، والعالم لن يستفيد من ذلك، نحن مستعدون للعمل مع جميع الأطراف لدعم التعددية الحقيقية".
وواصل بينغ منتقدا تصرفات ترامب بين السطور وداعيا إلى العمل المشترك، قائلا: "نعمل على دعم التنمية المستدامة وجمع الدول معا لمواجهة التحديات وتحقيق الازدهار المشترك، وبناء مجتمع بمستقبل مشترك للبشرية".
على الجهة الأخرى قالت نائبة رئيس الوزراء الكندي، كريستيا فريلاند، ردا على ترامب في بيان مشترك مع وزير الأمن العام الكندي: "كندا والولايات المتحدة ترتبطان بواحدة من أقوى وأوثق العلاقات، خاصة فيما يتعلق بأمن الحدود والتجارة المشتركة بين البلدين".
وشددت كندا على ضرورة استمرار "العلاقة المفيدة والمتوازنة والمتبادلة" مع الولايات المتحدة. وأشار البيان إلى أن أوتاوا تمثل نقطة حيوية في إمدادات الطاقة المحلية الأميركية، إذ منحت الولايات المتحدة 60% من النفط الخام خلال العام الماضي.
وأبدت كندا انفتاحا لمناقشة قرارات ترامب مع إدارته الجديدة، في تفاعل سريع بعد ساعات من إعلان الرئيس الجمهوري المُقبل للولايات المتحدة عن قراراته.
في تفاعل سريع مع قرارات ترامب، رأت طاهرا غيراري مديرة التحليل الاقتصادي في منظمة تسمى "غرفة التقدم" التي تشكل تحالفا جديدا لصناعة التكنولوجيا، أن هناك أضرارا على الاقتصاد الأميركي ذاته بسبب القرارات الجديدة.
وقالت غيراري في تصريحات نشرتها صحيفة "ذا غارديان" إن الرسوم الجمركية المفروضة على واردات كندا ستؤثر في تكاليف البناء داخل الولايات المتحدة على وجه الخصوص، وسترفع تكلفة العقارات.
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة تعتمد على كندا في استيراد الأسمنت بقيمة 105 مليارات دولار سنويا، ليرتفع الرقم إلى 131 مليار دولار.
وفيما يتعلق بالواردات من الخشب والأوراق، فسيرتفع الرقم من 28 مليار دولار سنويا إلى 34 مليارا، والأدوات المعدنية من 33 مليار دولار إلى 43 مليارا، لتكون الزيادة الإجمالية بقيمة 41 مليار دولار إضافية في مواد البناء فقط، وفقا لغيراري.
وحذرت الخبيرة الاقتصادية من انعكاس سريع لقرارات ترامب على المواطنين الأميركيين، إذ قالت: "سيشعر الشعب الأميركي بهذه القرارات في المتاجر وعند شراء السيارات والإلكترونيات أو في فواتير المطاعم، لأن كل شيء ستزيد تكلفته، لأن الشركات لن تتحمل 25% جمارك، هذه القرارات ستؤثر في محفظتكم الخاصة".
ومع إعلان ترامب في حملته الانتخابية عن نيته زيادة الرسوم الجمركية، حذر معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن من "حرب تجارية عالمية" على الأبواب.
وانتقد المعهد الاقتصادي قرارات ترامب، وأكد في تحليل له أن "الرؤساء لا يتصرفون بهذه الطريقة"، مؤكدا أن الرسوم الجمركية تفرض بشكل انتقائي عادة، بموجب قوانين الانتصاف التجاري التي وضعها الكونغرس.
وأشار التقرير إلى أن حركة جمارك ترامب الجديدة ستقابل بردود من الدول الأخرى برسوم مماثلة، مثلما حدث في 2018 من الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك بعد فرض تعريفات جمركية على الصلب والألومنيوم.
وأكد المعهد الأميركي أن السلع الصينية في الولايات المتحدة تمثل نسبة 16.5% فقط من الواردات، لكن زيادة الجمارك من شأنها أن تشعل حربا تجارية جديدة ستشمل العالم كله.
وعلق المفاوض التجاري السابق في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، جون فيرونو، على قرارات ترامب الجديدة في حديث لصحيفة "واشنطن بوست" قائلا إن التزامات الولايات المتحدة التجارية ستتأثر بهذه الرسوم الجمركية.
وتحدث فيرونو بعمق أكثر: "ترامب فجّر الاتفاقات بفرض رسوم جمركية 25%، لأن كل دولة تتأثر بخطط رئيسها، وبالتالي ستفرض في المقابل جمارك على السلع الأميركية بالخارج، ما يسبب ضررا للمُصدرين".
وبخلاف تأثر الاقتصاد الأميركي وفي الدول التي يُفرض عليها جمارك جديدة، انتشرت مخاوف حول التأثير العالمي لقرارات ترامب الجديدة.
وفي تقرير لمعهد المحاسبين القانونيين في إنجلترا وويلز، جاء أن التجارة العالمية سوف تتراجع بشكل أكبر، بعدما تراجعت بالفعل في السنوات الأخيرة بسبب جائحة كوفيد 19 وحرب أوكرانيا وأزمة الطاقة التي تلتها، فضلا عن تحديات الشحن في البحر الأحمر، ما أسفر عن زيادة التكاليف وإبطاء سلاسل التوريد.
ويقول مدير الجمارك في "كرو" البريطانية، إيان وورث، إن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة قد يقومان بإجراءات انتقامية بعد فرض تعريفات جمركية جديدة في المستقبل على منتجات محددة، مشيرا إلى أن المستهلك سيدفع الثمن في النهاية لارتفاع التكاليف.
ومن جانبه قال مدير الاقتصاد في معهد المحاسبين القانونيين في إنجلترا وويلز، سورين ثيرو، إن الضرر قد يلحق بالاقتصاد العالمي بسبب الخطوات الانتقامية من الدول الأخرى في فرض تعريفات جمركية لتعويض خسائرها.
واعتبر سواتي دينغرا المسؤول في بنك إنكلترا المركزي، أن قرارات ترامب الجديدة ربما تساهم إلى خفض التضخم العالمي في الفترة المقبلة، وفقا لصحيفة "غارديان".
ويرى دينغرا العضو في لجنة السياسات النقدية التي تحدد أسعار الفائدة في البنك المركزي الإنجليزي، أن الدول المفروض عليها الجمارك الجديدة وعلى رأسها الصين، قد تلجأ إلى خفض الأسعار في أماكن أخرى لضمان الحفاظ على حجم التجارة العالمية.
وتشير بعض التقديرات إلى أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب قد تضر أوروبا بقدر ما تلحق الضرر بالصين، إذ إن بكين قد ترد على الولايات المتحدة بتحويل وارداتها إلى أوروبا، ما يسفر عن زيادة في العرض، ووضع ضغوط على المصنعين الأوروبيين لخفض الأسعار للمنافسة، بحسب صحيفة "واشنطن بوست".
وحذر المعهد الاقتصادي الألماني، من أن الرسوم الجمركية الأميركية البالغة 10% وما يعقبها من رسوم انتقامية من الاتحاد الأوروبي، ستؤدي إلى خسارة ألمانيا لأكثر من 134 مليار دولار من الناتج المحلي بحلول نهاية السنوات الأربع المقبلة لترامب في البيت الأبيض.
© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة