نتنياهو يقامر باحتلال غزة.. والجيش يحذر من "فخ استراتيجي"
بينما تباينت التفسيرات وراء سبب التحول المفاجئ نحو السماح بإدخال المساعدات إلى غزة برا وجوا، مع تعليق جزئي للعمليات العسكرية في بعض المناطق بالقطاع، حسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمره وتبنى خطة تستهدف احتلال القطاع بالكامل.
يأتي ذلك وسط تزايد الضغوط الدولية على حكومته لوقف الحرب والسماح بإدخال المزيد من المساعدات على وقع تحذيرات من مجاعة وشيكة تهدد حياة نحو مليوني فلسطيني.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عدة، أن نتنياهو سيعقد اجتماعا لحكومته اليوم الثلاثاء، لاتخاذ قرار بشأن هذه المسألة، فضلا عن اجتماع لمجلس الوزراء الأمني المصغر (الكابينت) لتوجيه الجيش بشأن "كيفية تحقيق أهداف الحرب الثلاثة". فإلى أين سيصل نتنياهو بالتصعيد عسكريا وسط غياب رؤية محددة لتحقيق الأهداف المعلنة للحرب؟
"هزيمة حماس وإطلاق سراح الرهائن"
شدد رئيس الوزراء الإسرائيلي على ضرورة الاستمرار "في الوقوف معا والقتال معا لتحقيق جميع أهدافنا من الحرب: هزيمة حماس وإطلاق سراح الرهائن وضمان أن غزة لن تشكل بعد ذلك أي تهديد لإسرائيل".
ويرى محللون أن ميل نتنياهو للعودة إلى التصعيد عسكريا يبرهن على التخبط وغياب رؤية محددة لتحقيق الأهداف المعلنة للحرب.
بينما يرى آخرون أن اللقطات المصورة التي بثتها فصائل فلسطينية لرهائن إسرائيليين محتجزين في غزة خلال الأيام الماضية وهم يعانون من سوء تغذية ويقوم أحدهم بحفر قبره بنفسه، ربما زادت الضغط على رئيس الحكومة، لاسيما بعد الانتقادات التي وجهت إليه من جانب بعض وزراء اليمين المتطرف بسبب السماح بإدخال المساعدات لغزة، وفي مقدمتهم بطبيعة الحال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووصفهم ذلك بأنه بمثابة هدية لحماس وأنه ما كان ينبغي له الإقدام على مثل هذا القرار.
معارضة من القيادة العسكرية
لكن بعيدا عن حقيقة السبب وراء الاتجاه للتصعيد العسكري، تحدثت وسائل إعلام محلية عن معارضة من جانب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، لهذا الطرح.
ونقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مصدر بارز في الجيش أن رئيس الأركان يعارض احتلال قطاع غزة بالكامل ويعتبره "فخا استراتيجيا".
كما ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن الأجهزة الأمنية تعارض توسيع القتال في مناطق لم ينشط فيها الجيش من قبل خشية المساس بالرهائن.
غير أن رغبة نتنياهو تبدو جامحة وغير قابلة للنقاش، حيث نقلت وسائل إعلام محلية عنه أنه وجه رسالة حاسمة لزامير مفادها أن "إذا لم يناسبك ذلك، فعليك أن تستقيل من منصبك"، وهو ما يشي بخلافات وانقسامات عميقة بين المستويين السياسي والأمني تخيم على الاجتماع المزمع عقده خلال ساعات.
"القرار اتخذ... سنقوم باحتلال قطاع غزة"
ونقل أميت سيغال، الذي يعد من أكثر الصحفيين تأثيرا في إسرائيل والمقرب من دائرة صنع القرار، عن مصدر في مكتب رئيس الوزراء قوله إن "القرار اتخذ... سنقوم باحتلال قطاع غزة".
وأضاف المسؤول بحسب سيغال: "لن تفرج حماس عن الرهائن دون استسلام كامل، وإن لم نتحرك الآن، سيموت الرهائن جوعا وستبقى غزة تحت سيطرة الحركة".
ووفقا لصحيفة "جيروزاليم بوست"، فإن توسع الحرب سيؤدي إلى سيطرة الجيش، الذي يسيطر بالفعل على حوالي 75% من غزة، على المناطق المتبقية وتنفيذ عمليات في الأماكن التي يُعتقد أن الرهائن محتجزون فيها.
وكان الجيش الإسرائيلي قد حذر من أن الاحتلال الكامل لغزة، بما في ذلك الوجود العسكري في المناطق المدنية المكتظة بالسكان والمدن القليلة التي لم يشملها القتال، سيستغرق سنوات للبحث عن الخلايا المتبقية لحركة حماس وتحديد مواقعها، بحسب صحيفة "نيويورك بوست".
وقد تؤدي مثل هذه الخطوة إلى تعريض حياة الرهائن للخطر، وفقا لأفراد أسرهم، حيث ترددت أنباء مؤخرا عن أن حماس أصدرت أوامر لأعضائها بقتل أي أسرى في حوزتهم إذا اقترب منهم جنود إسرائيليون، وفقا للصحيفة الأميركية.
أزمة سياسية وقضائية في تل أبيب
وتأتي هذه التطورات وتباين الرؤى في خضم أزمة سياسية وقضائية بعد تصويت بالإجماع على إقالة المستشارة القانونية (المدعية العامة) بهاراف ميارا، المعروفة بانتقادها الشديد لنتنياهو، وتجميد المحكمة العليا الإسرائيلية لاحقا لهذا القرار.
وبالتزامن صادقت لجنة الكنيست على قرار إقالة رئيس لجنة الخارجية والأمن يولي إدلشتاين، استجابة لطلب من أحزاب الحريديم التي اشترطت ذلك على نتنياهو للبقاء في الحكومة بسبب إصراره على تقديم مشروع قانون بشأن التجنيد الإجباري، وهو ما ترفضه تلك الأحزاب بشدة.
وبعيدا عن ذهاب البعض في تحليله لتلويح نتنياهو بأنه ربما يكون بهدف زيادة الضغط على حركة حماس لحملها على الانخراط مجددا في مسار التفاوض وتقديم تنازلات عن بعض شروطها، طرح مراقبون العديد من التساؤلات بشأن القدرة الفعلية للجيش الإسرائيلي على تكثيف عملياته العسكرية في القطاع، وما الذي قد يكون في جعبته لتحقيق رؤية نتنياهو، لا سيما أنه لم يتمكن من إنجاز ذلك طيلة الحرب التي تقترب من دخول شهرها الثالث والعشرين.