العراق "يتمسك بالحياد": تخطينا التحدي الأكبر وهذه رسالتنا لدمشق
قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إن حكومته تمكنت من إبقاء العراق على الحياد خلال قرابة عامين من النزاعات العسكرية المشتعلة في المنطقة، وذلك عبر موازنة العلاقات الحساسة مع كل من واشنطن وطهران.
وفي مقابلة حصرية مع وكالة أسوشيتد برس نُشرت الإثنين، كشف السوداني أن التحدي الأكبر ظهر الشهر الماضي عقب اندلاع المواجهات المباشرة بين إسرائيل وإيران، والتي شملت ضربات أميركية ضد مواقع نووية إيرانية.
وأكد السوداني أنه استخدم مزيجًا من الضغوط السياسية والعسكرية لمنع الجماعات المسلحة الموالية لإيران من الانخراط في النزاع.
وأوضح السوداني أن القوات الأمنية العراقية نفذت 29 عملية لإحباط محاولات شن هجمات صاروخية وبطائرات مسيرة ضد إسرائيل، وكذلك ضد قواعد تضم قوات أميركية داخل العراق، دون أن يقدّم تفاصيل إضافية عن هذه العمليات.
وقال: "نعلم أن للحكومة الإسرائيلية سياسة، لا تزال قائمة، لتوسيع رقعة الحرب في المنطقة. لذلك حرصنا على عدم منح أي طرف مبررًا لاستهداف العراق". وأضاف أن حكومته تواصلت مع القيادة الإيرانية لحثّها على التهدئة وفسح المجال للحوار والعودة إلى طاولة المفاوضات.
السوداني يخطط لتقوية العلاقات مع إدارة ترامب
السوداني، الذي تولى رئاسة الحكومة عام 2022، يستعد لخوض الانتخابات في نوفمبر المقبل على أمل الفوز بولاية ثانية. وأشار في المقابلة إلى سعيه لتطوير العلاقات مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالتوازي مع الحفاظ على التحالفات السياسية الداخلية التي تربطه بأحزاب مدعومة من إيران.
مصير الوجود الأميركي في العراق
وحول مستقبل الوجود الأميركي في العراق، أشار السوداني إلى أن بلاده والولايات المتحدة كانتا قد أعلنتا العام الماضي اتفاقًا لإنهاء مهمة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن لمحاربة تنظيم "داعش".
وفي مارس، أعلن السوداني مقتل زعيم تنظيم "داعش" في العراق وسوريا خلال عملية مشتركة عراقية-أميركية.
وكان من المقرر أن تُستكمل المرحلة الأولى من انسحاب التحالف بحلول سبتمبر 2025، لكن لم تظهر مؤشرات واضحة على ذلك حتى الآن.
وقال السوداني إن الجانبين سيعقدان اجتماعًا قبل نهاية العام "لتنظيم العلاقة الأمنية الثنائية".
وأعرب عن أمله في جذب استثمارات أميركية في قطاعات النفط والغاز والذكاء الاصطناعي، معتبرًا أنها ستسهم في استقرار المنطقة و"جعل البلدين عظيمين معًا".
وبيّن رئيس الحكومة أن وجود قوات التحالف شكّل ذريعة لبعض الجماعات العراقية لحمل السلاح، لكنه شدد على أنه "بمجرد استكمال الانسحاب، لن تكون هناك حاجة أو مبرر لحمل السلاح خارج إطار الدولة".
خلاف أميركي-عراقي بشأن قانون قوات الحشد الشعبي
أما بشأن "الحشد الشعبي"، وهو تحالف يضم فصائل مدعومة من إيران وشُكل لمحاربة "داعش"، فقد أشار السوداني إلى أن البرلمان العراقي يناقش حاليًا مشروع قانون يهدف إلى ترسيخ العلاقة القانونية بين هذه القوات والمؤسسة العسكرية الرسمية، في خطوة أثارت اعتراضات أميركية.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أصدرت بيانًا الأسبوع الماضي قالت فيه إن القانون المقترح "من شأنه إضفاء الطابع المؤسساتي على النفوذ الإيراني وعلى الجماعات المسلحة التي تقوّض سيادة العراق".
لكن السوداني دافع عن المشروع، مؤكدًا أن الهدف هو حصر السلاح بيد الدولة، وقال: "على الأجهزة الأمنية أن تعمل في إطار القانون وتخضع للمساءلة".
هجمات بالطائرات المسيّرة وغموض في قضية تسوركوف
في الأسابيع الأخيرة، شهدت المنطقة الكردية شمال العراق هجمات بطائرات مسيرة استهدفت منشآت نفطية. واتهمت السلطات الكردية فصائل تابعة للحشد الشعبي بتنفيذها، وهو ما نفته بغداد، من دون أن توجه الاتهام لأي جهة.
ووصف السوداني الهجمات بـ"العمل الإرهابي"، مؤكّدًا أن الحكومة تتعاون مع السلطات الكردية وقوات التحالف للكشف عن المسؤولين ومحاسبتهم.
وفي سياق متصل، أثارت قضية اختفاء الباحثة الإسرائيلية-الروسية إليزابيث تسوركوف في العراق عام 2023، تساؤلات عن قدرة الحكومة على ضبط الجماعات المسلحة. وتعتقد أسرتها أنها محتجزة لدى ميليشيا "كتائب حزب الله" العراقية، في حين ذكرت تقارير أن مفاوضات غير مباشرة تجرى بوساطة أميركية لإطلاق سراحها.
السوداني رفض تسمية الجهة المسؤولة عن اختطافها، لكنه شدد على أن حكومته تبذل جهودًا جدية للعثور عليها.
وقال: "نحن لا نتفاوض مع العصابات والخاطفين"، لكنه أوضح أن فريقًا حكوميًا يعمل على القضية ويتواصل مع أطراف سياسية قد تساعد في تحديد مكانها.
ماذا يريد العراق من دمشق؟
أما في ما يخص العلاقات مع سوريا، فقد أكد السوداني أن حكومته تنسق مع الحكومة الجديدة هناك، برئاسة أحمد الشرع.
وأكد السوداني أن التعاون الأمني مع دمشق يتركّز على محاربة "داعش"، الذي لا يزال ينشط بوضوح داخل سوريا.
وأشار إلى أن بغداد حذّرت الحكومة السورية من تكرار الأخطاء التي وقعت في العراق بعد سقوط صدام حسين، والتي أدت إلى فراغ أمني سمح بصعود الجماعات المتطرفة.
وفي ظل تزايد العنف الطائفي مؤخرًا في سوريا، دعا السوداني إلى إطلاق "عملية سياسية شاملة تشمل جميع المكونات".
وقال: "لا نريد أن تُقسّم سوريا، هذا أمر غير مقبول، ولا نريد أي وجود أجنبي على الأراضي السورية"، في إشارة ضمنية إلى التدخلات الإسرائيلية في الجنوب السوري.