استراتيجية إيران فشلت؟.. لا حرب نجحت ولا سلام صمد
لم تصمد طويلاً استراتيجية "لا حرب ولا سلام" التي اعتمدها النظام الإيراني لعقود، حيث وجدت طهران نفسها في قلب حرب شاملة كانت تسعى لتفاديها طوال سنوات، مستندة إلى أسلوب الضغط بالوكلاء والضربات غير المباشرة دون الانخراط في صراع مباشر يهدد بقاء النظام.
بداية الانهيار تعود إلى مطلع عام 2020، حين وجّهت الولايات المتحدة ضربة غير مسبوقة باغتيال القائد الأقوى في إيران، قاسم سليماني، في غارة بطائرة مسيّرة قرب مطار بغداد.
وجاء الرد الإيراني بعد ٥ أيام فقط، حين أطلقت طهران عشرات الصواريخ على قاعدتين عسكريتين أميركيتين في العراق.
ورغم قوة الهجوم، فإن إيران حرصت على إبلاغ واشنطن مسبقاً عبر قنوات خلفية، ما أدى إلى تجنب وقوع إصابات، وسحب الطرفين خطوة إلى الوراء عن حافة الحرب.
كانت تلك المناورة المدروسة محاولة من المرشد الأعلى علي خامنئي لتحقيق هدفين: إظهار القدرة على تحدي أميركا، وتجنّب مواجهة شاملة قد تطيح بالنظام.
استراتيجية "لا حرب ولا سلام"
تلك كانت ذروة استراتيجية "لا حرب ولا سلام" التي اعتمدها خامنئي: التلويح بالقوة، استخدام الجماعات الحليفة لشن ضربات بالوكالة، وتجنب الصدام المباشر مع القوى الكبرى.
لكن هذه السياسة انهارت تحت ضغط سلسلة من الحسابات الخاطئة، والثقة الزائدة، وفشل قاتل في فهم التغير الجذري في نهج إسرائيل بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، بحسب تحليل لصحيفة فايننشال تايمز.
اليوم، تجد إيران نفسها في معركة بقاء، مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، غارات مدمرة على منشآتها النووية والعسكرية، اغتيالات تطال كبار قادتها، وتفوق جوي واستخباراتي إسرائيلي يكشف حجم الفجوة في القدرات.
يقول محللون إن إسرائيل لم تكتف بالرد، بل اختارت توقيت الهجوم المفاجئ وفق رؤيتها، بعد أن تأكدت أن إيران وحلفاءها لا يسعون لحرب شاملة، ما منح تل أبيب زمام المبادرة.
ومنذ أيام الهجوم الأول، فقدت إيران الكثير: قُصف كبار قادة الحرس الثوري، دُمّرت منصات صواريخ، ضُربت المنشآت النووية، وأسقطت أنظمة الدفاع الجوي الأكثر تطورًا مثل بطاريات S-300 الروسية.
في المقابل، واصلت طهران الرد بإطلاق وابل من الصواريخ على إسرائيل، لكنها ظلت تعتمد على قدرات غير متكافئة، تعتمد على طائرات مسيّرة وصواريخ بعيدة المدى، بينما تحلّق في سماء المعركة طائرات الشبح F-35 الإسرائيلية بدعم استخباراتي أميركي.
وعلى المستوى الإقليمي، لم ينجح "المحور الإيراني" الذي بنته طهران لعقود في تحقيق توازن الردع.
حزب الله اللبناني بدا شبه مشلول أمام الضربات الإسرائيلية المكثفة، الحوثيون واصلوا إطلاق صواريخ متفرقة من اليمن، فيما تراجعت قدرات حماس بشكل كبير تحت القصف الإسرائيلي المكثف في غزة.
هكذا بدأت شبكة الوكلاء التي أنشأها قاسم سليماني تتفكك، ويقول المحلل إميل حكيّم إن سليماني "كان مهندس استراتيجية مغلوطة"، إذ بالغ في نشر النفوذ الإيراني في العراق وسوريا، وراهن بشكل مبالغ فيه على قوة المحور الذي بناه، دون أن يطوّر منظومات الدفاع، خصوصًا الدفاع الجوي.
ويقول خبراء إن إيران، رغم امتلاكها ترسانة صاروخية واسعة، فشلت في تنسيق استخدام هذه القدرات بسبب نجاح إسرائيل في شلّ شبكة القيادة والسيطرة الإيرانية، ما كشف هشاشة النظام الدفاعي لإيران.
في خضم هذه الأزمة، لم تعد طهران تملك سوى خيارات سيئة. يقول المحللون إن خامنئي تمسّك طويلاً بفكرة "لا حرب ولا سلام"، لكن الواقع الجديد يفرض عليه إعادة الحسابات والقبول باتفاق نووي بشروط أسوأ مما كان معروضًا سابقًا.
الأمر المؤكد الآن: استراتيجية إيران القديمة سقطت، والتاريخ لن يعيد نفسه، بحسب تحليل الصحيفة.