ترامب وإيران وشبح العراق.. مخاوف من "كوارث حروب الماضي"
تتصاعد في واشنطن مؤشرات مقلقة على اقتراب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من اتخاذ قرار بشن ضربة عسكرية ضد إيران، في لحظة تعيد إلى الأذهان أجواء ما قبل غزو العراق عام 2003، حين سادت وعود بحرب "سريعة ومنتصرة" انتهت بكارثة طويلة الأمد.
الرئيس الذي انتُخب على وعد بإنهاء "حروب أميركا الأبدية" ووقف التدخلات العسكرية الخارجية، بات اليوم أكثر تقبّلًا لفكرة استخدام القوة ضد البرنامج النووي الإيراني، بحسب
شبكة سي إن إن، مدفوعًا بضغوط إسرائيلية، وإخفاق في المسار الدبلوماسي مع طهران، وخطاب تصعيدي يتجاوز التحذير إلى التهديد الصريح.
"ضربة واحدة" التي قد تشعل المنطقة
أحد أبرز السيناريوهات المطروحة في البيت الأبيض هو توجيه ضربة باستخدام قنابل خارقة للتحصينات تزن 30 ألف رطل لتدمير منشأة "فوردو" النووية المحصّنة تحت الأرض.
ويرى حلفاء ترامب أن هذه الضربة، إن نُفّذت، قد تكون حدثًا حاسمًا يُعيد تشكيل الشرق الأوسط.
لكن مثل هذا التصور يعيد إلى الأذهان ما قيل عن العراق: "عملية سريعة، ومهمة منجزة"، لتغرق بعدها الولايات المتحدة في مستنقع دموي كلّفها أكثر من ٤ آلاف قتيل أميركي، و١٠٠ ألف قتيل عراقي، وانسحابا بعد تسع سنوات.
الخبير الإيراني الأميركي فالي نصر يقول
لصحيفة نيويورك تايمز إن ما يحدث اليوم يذكّر بقوة بما جرى قبل حرب العراق: "صدقنا الوعود الوردية، لكن كل الافتراضات كانت خاطئة".
أما الأدميرال ويليام فالون، قائد القيادة المركزية الأميركية السابق، فيحذر من أن أي ضربة على إيران قد تخرج الأمور عن السيطرة، ويتساءل: "ما الخطة؟ ما الاستراتيجية؟ ما الهدف النهائي؟".
هذه الأسئلة تبقى من دون إجابة، وهو ما يثير قلقًا في أوساط المسؤولين الأميركيين الذين يرون في غياب سيناريو "ما بعد الضربة" تكرارًا مقلقًا لكوارث التدخل العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان.
الخلافات داخل الإدارة الأميركية نفسها تعمّق الغموض. ففي حين قالت مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد في مارس إن إيران لا تطور سلاحًا نوويًا، ردّ ترامب قائلًا: "لا يهمني ما قالت. إيران تقترب فعلاً من القنبلة".
ويقول بعض المحافظين الجدد، مثل جون بولتون وويليام كريستول، إن "الفرصة مواتية لإنهاء التهديد الإيراني" عبر القوة، بينما يكتفي ترامب بالقول: "قد أُقدم على ذلك، وقد لا أفعل. لا أحد يعرف ما سأفعله".
الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس يرى أن الوضع يختلف عن غزو العراق، لكنه يدعو إلى توجيه إنذار نهائي للمرشد الإيراني علي خامنئي: "إما تفكيك البرنامج النووي، أو تدمير شامل".
وفي حال رفض خامنئي، يعتبر بترايوس أن الرد العسكري يصبح أكثر "شرعية".
لكن الضربة الأميركية، إذا نُفّذت، لن تمر من دون ردّ. إيران، على الرغم من تعرضها لضربات إسرائيلية أضعفت دفاعاتها وقتلت قادة عسكريين وعلماء، ستسعى لحماية هيبتها داخليًا عبر استهداف قواعد أميركية، أو حلفاء واشنطن في المنطقة، وقد تشن هجمات على السفن في البحر الأحمر عبر الحوثيين، أو تغلق مضيق هرمز، ما ينذر بأزمة طاقة عالمية.
سقوط النظام.. وصفة لفوضى إقليمية
يرى مراقبون، بحسب سي إن إن ونيويورك تايمز، أن تدمير البرنامج النووي الإيراني أو إسقاط النظام قد يؤدي إلى نتائج كارثية.
إيران بلد كبير ومعقّد، يبلغ عدد سكانه نحو 90 مليون نسمة، ويعاني من انقسامات عرقية ومذهبية حادة، ما قد يفتح الباب أمام فوضى أهلية، وصعود جماعات متطرفة، أو هيمنة دموية للحرس الثوري.
كما أن موجات نزوح ضخمة قد تضرب الدول المجاورة وأوروبا، في وقت يعاني فيه العالم من أزمات هجرة متفاقمة.
التناقض مع مواقف ترامب السابقة
المفارقة أن ترامب نفسه كان من أبرز منتقدي حرب العراق، ففي عام 2016 هاجم بشدة الرئيس الأسبق جورج بوش بسبب "الخطأ الكارثي" في غزو العراق، ورفض فكرة "بناء الأمم". لكنه اليوم، إن أمر بقصف "فوردو"، سيتحول إلى ذلك "المتدخل" الذي طالما هاجمه.
ويقول السناتور الديمقراطي كريس مورفي إن من يدفعون نحو الحرب نسوا بسرعة كوارث العراق وأفغانستان، محذرًا من أن مثل هذه الحرب قد تولّد جماعات جديدة تعادي المصالح الأميركية.
نهاية غير محسوبة أم فرصة أخيرة؟
في واشنطن وتل أبيب، يروّج بعض المتشددين لفكرة أن ضربة مركّزة قد تُجبر إيران على الاستسلام. لكن آخرين، مثل الباحث علي فائز من مجموعة الأزمات الدولية، يرون أن طهران تعتبر هذا المسار تهديدًا وجوديًا، ولن تستسلم ببساطة.
أما فالي نصر، فيرى أن السيناريو الأفضل هو تدمير "فوردو" بالكامل، ثم دفع طهران نحو مفاوضات.
لكن إذا قتل أميركيون في ردّ إيراني، فإن ترامب سيكون مضطرًا للتصعيد، ما يعني دخول المنطقة في دوامة يصعب الخروج منها.