صراعات‎

عملية سرية معقدة.. كيف هرب الموساد مسيراته إلى داخل إيران؟

نشر
blinx
في واحدة من أكثر العمليات الاستخباراتية تعقيداً خلال السنوات الأخيرة، تمكّن جهاز "الموساد" الإسرائيلي من تهريب مكونات مئات الطائرات المسيّرة الصغيرة، إلى داخل إيران، استعدادا لهجوم جوي واسع استهدف منشآت نووية وقيادات عسكرية إيرانية.
العملية التي جرى التحضير لها على مدى أشهر، اعتمدت على وسائل متخفية شملت حقائب سفر، شاحنات نقل، وحاويات تجارية، كانت تحمل معدات وأسلحة مفخخة يُشغّل بعضها عن بُعد، وجميعها دخلت الأراضي الإيرانية دون أن تُكتش، بحسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال.

نقاط تمركز قرب الدفاعات الجوية

وبحسب مصادر مطلعة تحدثت إلى الصحيفة، فقد أنشأت فرق إسرائيلية صغيرة نقاط تمركز قرب مواقع الدفاعات الجوية ومنصات إطلاق الصواريخ الإيرانية، وعملت على تدميرها مع بدء الضربة الجوية، ما أتاح لمقاتلات F-35 الإسرائيلية المجال للتحليق وتنفيذ مهامها من دون مواجهة مقاومة جوية تذكر.
البعض من هذه الفرق استهدف الدفاعات الجوية، بينما ضرب البعض الآخر منصات الصواريخ وهي تخرج من مخابئها وتستعد للإطلاق.

تغيير شكل الحروب

هذه الضربة التمهيدية، التي تمت بطائرات مسيّرة منخفضة التقنية نسبياً، ساعدت إسرائيل على تحييد قدر كبير من القوة الصاروخية الإيرانية قبل أن تُستخدم ضد أهداف إسرائيلية.
وتوضح هذه العملية، كما تقول الصحيفة، كيف أصبحت التكنولوجيا التجارية البسيطة، مثل الطائرات المسيرة، قادرة على تغيير شكل الحروب، وفتح ثغرات في منظومات الدفاع الأكثر تعقيداً، تماماً كما فعلت أوكرانيا مؤخراً حين استخدمت مسيّرات مهربة لضرب طائرات حربية داخل روسيا.

نقطة ضعف رئيسية

العملية الإسرائيلية الأخيرة، التي نفذتها "الموساد" بشكل مشترك مع الجيش، لم تقتصر على استهداف العتاد، بل هدفت إلى شل قدرة إيران على الرد، وضرب منظومتها الصاروخية قبل أن تبدأ الهجوم.
وبحسب أحد المشاركين في العملية، فإن الفرق الإسرائيلية على الأرض تمكّنت من تدمير عشرات الصواريخ وهي لا تزال في طور الإعداد، إلى جانب استهداف شاحنات النقل الخاصة بهذه الصواريخ، والتي تُعد نقطة ضعف رئيسية في المنظومة العسكرية الإيرانية نظراً لعددها المحدود مقارنة بعدد الصواريخ المتوفرة.
رغم كل ذلك، أطلقت إيران حوالي 200 صاروخ على إسرائيل على أربع دفعات بين مساء الجمعة وصباح السبت، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإحداث أضرار في مناطق قريبة من تل أبيب.
لكن الرد جاء أقل بكثير من المتوقع، بحسب سيمي شاين، المسؤولة السابقة في "الموساد" ورئيسة برنامج إيران في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، والتي قالت: "توقعنا رداً أعنف، لكن ذلك لا يعني أن إيران قد لا ترد بقوة أكبر لاحقاً".
وفي أولى ساعات الهجوم الإسرائيلي، ركّز سلاح الجو بشكل مكثف على تدمير الدفاعات الجوية ومنصات إطلاق الصواريخ، فيما أعلنت إسرائيل أن أكثر من 70 طائرة حربية شاركت في قصف أهداف داخل العاصمة الإيرانية طهران، في عملية استمرت أكثر من ساعتين.
وصرّح المتحدث العسكري الإسرائيلي إيفي دفرين أن "هذه أبعد نقطة تصل إليها إسرائيل داخل إيران حتى الآن، وقد حققنا حرية جوية كاملة فوق طهران".
ومع اتساع رقعة العمليات، نشرت أجهزة الاستخبارات الإيرانية تحذيرات في بعض الصحف المحلية، منها صحيفة "تسنيم" التابعة للحرس الثوري، دعت فيها المواطنين إلى الحذر من استخدام إسرائيل لسيارات نقل صغيرة وشاحنات تجارية لإطلاق طائرات مسيّرة من داخل البلاد.

مراحل غير مسبوقة من الجرأة والتعقيد

التوغل الاستخباراتي الإسرائيلي داخل إيران ليس جديداً، لكنه بلغ مراحل غير مسبوقة من الجرأة والتعقيد.
خلال العام الماضي، نفذ "الموساد" عمليات اغتيال استهدفت قادة عسكريين من "حماس" داخل الأراضي الإيرانية، بينهم إسماعيل هنية الذي قُتل في تفجير داخل غرفة مؤمنة تابعة للحرس الثوري، أثناء حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.
كما سبق أن استخدمت إسرائيل في عام 2022 طائرات مسيّرة مفخخة لضرب منشآت لإنتاج الطائرات المسيّرة في كرمانشاه، ثم استهدفت لاحقاً مصنعاً للذخيرة في أصفهان.

أهم نقاط الضعف

التحضير للعملية الأخيرة بدأ منذ سنوات، حيث دربت إسرائيل قادة الفرق في دول ثالثة، ثم عاد هؤلاء لتدريب الفرق العاملة داخل إيران. واستخدمت الموساد شبكة من الشركاء التجاريين، بعضهم لم يكن مدركاً لهوية الشحنات، لتهريب أجزاء الطائرات والذخائر إلى الداخل الإيراني، ثم جمعها وتوزيعها على الفرق الميدانية.
واحدة من أهم نقاط الضعف التي استغلتها إسرائيل كانت في الشاحنات المخصصة لنقل الصواريخ داخل إيران. فرغم امتلاك إيران لمئات الصواريخ، إلا أن عدد الشاحنات الناقلة كان أقل بكثير، وهو ما جعل استهدافها قادراً على شلّ القدرة الهجومية في لحظة مفصلية. وبحسب المصادر، تمكنت الفرق الإسرائيلية من تدمير العشرات منها، وكانت لا تزال تنشط حتى وقت متأخر من يوم الجمعة.
لكن إلى جانب الأثر العسكري المباشر، كانت هناك رسالة أعمق، كما تقول شاين، المسؤولة السابقة في "الموساد": "لا أحد في الصفوف العليا للنظام الإيراني يستطيع أن يثق بأنه غير معروف لدى الاستخبارات الإسرائيلية. الخطر لا يقتصر على الضرر الذي يُحدثه الهجوم، بل على التوتر والقلق الذي يزرعه داخل النظام".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة