صراعات‎

"راحة على الركام"..سوريون ينصبون خيما على أنقاض بيوتهم

نشر
AFP
بعدما قاسى حياة النزوح لنحو 14 عاما، عاد عارف شمطان إلى قريته المدمرة في شمال غرب سوريا بعد سقوط حكم بشار الأسد، مفضّلا خيار العيش في خيمة على أطلال منزله المدمّر، عوض البقاء مشردا في المخيمات.
فور إطاحة الأسد، عاد شمطان البالغ 73 عاما، بلهفة مع ابنه إلى قريته الحواش الواقعة عند أطراف محافظة حماة، متفقدا ما تبقى من منزله وأرضه الزراعية للمرة الأولى منذ نزوحه على وقع المعارك إلى مخيّم عشوائي قرب الحدود مع تركيا.
وبعدما تمكّن من تأمين بعض احتياجاته، قرر قبل نحو شهرين مغادرة المخيم مع عائلته وأحفاده للاستقرار في خيمة متواضعة نصبها قرب منزله الذي تصدّعت جدرانه وبات من دون سقف. وبدأ زرع بستانه بالقمح والخضار.
النزاع الذي بدأ العام 2011، شرّد قرابة نصف سكان سوريا داخل البلاد وخارجها. ولجأ الجزء الأكبر من النازحين إلى مخيمات في إدلب ومحيطها.
وبعد الإطاحة بالأسد، عاد 1.87 مليون سوري فقط من لاجئين ونازحين إلى مناطقهم الأصلية، بحسب المنظمة الدولية للهجرة التي أشارت إلى أن "نقص الفرص الاقتصادية والخدمات الأساسية يشكّل التحدي الأبرز" أمام عودتهم.
ولا يزال نحو 6.6 ملايين شخص نازحين داخليا، وفق المصدر ذاته.
ومع رفع العقوبات الغربية عن سوريا، لا سيما الأميركية، تعوّل السلطات الجديدة على دعم الدول الصديقة والغربية لإطلاق مرحلة الاعمار، والتي قدرت الأمم المتحدة كلفتها بأكثر من 400 مليار دولار.

"الراحة فوق الركام"

ويقول عارف شمطان وهو يفترش الأرض أمام الخيمة المحاذية لحقله، محتسيا كوبا من الشاي، لوكالة فرانس برس "أشعر بالراحة هنا، ولو على الركام".
ويضيف "العيش على الركام أفضل من العيش في المخيمات" التي بقي فيها منذ عام 2011.

الراحة وسط الركام. AFP

ورغم انعدام مقومات الحياة والبنى التحتية الخدمية، وعجزه عن إعادة بناء منزله لنقص الإمكانات المادية، يقول شمطان بينما تجمّع حوله أحفاده الصغار "لا يمكننا البقاء في المخيمات وأماكن النزوح"، حتى لو كانت "القرية كلها مدمرة.. لا أبواب فيها ولا نوافذ والحياة معدمة".
ويتابع "قررنا أن ننصب خيمة ونعيش فيها إلى حين أن تُفرج، ونحن ننتظر من المنظمات والدولة أن تساعدنا" إذ إن "المعيشة قاسية والخدمات غير مؤمنة".

"لا خدمات ولا مدارس"

في العام 2019، حين اشتدّ قصف الجيش السوري السابق على القرية، غادر المختار عبد الغفور الخطيب، 72 عاما، على عجل مع زوجته وأولاده، ليستقر في مخيم قريب من الحدود مع تركيا.
وبعد سقوط النظام السابق في الثامن من ديسمبر، عاد على عجل أيضا. ويقول "كنت أود فقط الوصول إلى بيتي. ومن شدّة فرحتي عدت ووضعت خيمة مهترئة، المهم أن أعيش في قريتي".
ويكمل الرجل "يودّ الناس كلهم أن يعودوا"، لكن "كثرا لا يملكون حتى أجرة سيارة" للعودة، في بلد يعيش ٩٠٪ من سكانه تحت خط الفقر.

شقائق النعمان أزهرت بين ركام منازل السوريين. AFP

ويضيف بينما افترش الأرض في خيمة متواضعة قرب بقايا بيته "لا شيء هنا، لا مدارس ولا مستوصفات، لا مياه ولا كهرباء"، ما يمنع كثرا من العودة كذلك. لكنه يأمل "أن تبدأ إعادة الإعمار ويعود الناس جميعا، وتفتح المدارس والمستوصفات" أبوابها.

"تغيّر كل شيء"

بعدما نزحت مرارا خلال السنوات الأخيرة، عادت سعاد عثمان، 47 عاما، مع بناتها الـ3 وابنها إلى قريتها الحواش منذ نحو أسبوع.
وتقول المرأة التي تحصل على قوتها اليومي من أعمال يدوية مقابل أجر بسيط "تغيّر كل شيء، البيوت تدمرت ولم يبق شيء في مكانه".

سعاد وخيمتها لحمايتها من انهيار ما تبقى من جدران منزلها. AFP

ومع أن سقف منزلها انهار وتصدعت جدرانه، لكنها اختارت العودة إليه. على جدار متهالك، كدّست المرأة فرشا ووسائد للنوم على خزانة قديمة. في العراء، وضعت سريرا صغيرا قرب لوحين شمسيين، لا يحميه شيء سوى بطانيات علّقت على حبال غسيل.
في الجوار، وعلى ركام منزلها، أقامت المرأة موقدا لتطهو عليه الطعام.
وتوضح "استدنت ٨٠ دولارا ثمن بطارية" لتوفير الإضاءة مع غياب شبكات الكهرباء.
وتشرح السيدة التي فقدت زوجها خلال الحرب "نعرف أن المكان هنا مليء بالأفاعي والحشرات. لا يمكننا أن نعيش من دون ضوء في الليل".

أطفال سعاد يلهون داخل خيمة نصبت قرب ركام منزلهم. أ ف ب

قرب قرية قاح المحاذية للحدود التركية في محافظة إدلب المجاورة، يخلو أحد المخيمات تدريجا من قاطنيه في الأشهر الأخيرة. وتظهر صور جوية التقطها مصور فرانس برس عشرات الخيم التي بقيت فقط جدرانها المبنية من حجارة الطوب.
ويوضح جلال العمر، 37 عاما، المسؤول عن جزء من المخيم المتهالك، أن نحو مئة عائلة غادرت المخيم الى قريته التريمسة في ريف حماه، لكن نحو 700 عائلة أخرى لم تتمكن من العودة جراء ضعف إمكاناتها المادية.
ويتحدث عن غياب البنى التحتية الضرورية، على غرار إمدادات المياه والأفران. ويوضح "لشراء الخبز، يتوجّه الناس إلى محردة التي تبعد 15 كليومترا أو إلى السقيلبية" المجاورة.
ويضيف "لا ترغب الناس بالبقاء في المخيمات، يريدون العودة إلى قراهم، لكن فقدان أبسط مقومات الحياة من بنى تحتية وشبكات كهرباء وصرف صحي.. يمنعها من العودة".
ويقول "يسألني كثر لماذا لم تعد؟ لا منزل لدي وأنتظر فرصة لتأمين مكان يأويني في القرية".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة