"توغلات الهدنة".. ماذا تفعل إسرائيل في جنوب لبنان؟

يقول منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات "اليونيفيل"، والمحلل العسكري العميد منير شحادة، لبلينكس، إن عدد الخروقات الإسرائيلية لإتفاقية وقف إطلاق النار تجاوز الـ٧٠ خرقا.

شحادة يقول إن إسرائيل خرقت وقف إطلاق النار من خلال تقدمها داخل مناطق لبنانية لم تستطع احتلالها أثناء الحرب، ويضيف: "حينما نتحدث عن وقف الأعمال العدائية والقتالية، فإنه على كل فريق من المتنازعين أن يبقى مكانه حينما يتم وقف إطلاق النار، وبالتالي لا يجب عليه التقدم لأن ذلك يعتبر خرقا".

يتابع "حينما تقدم الإسرائيلي وتحرّك باتجاه مناطق لم يدخل إليها خلال الحرب، عندها يُعتبر هذا الأمر خرقا صارخا لوقف إطلاق النار، وبالتالي انتهاكا لإتفاقية الهدنة المُبرمة مع لبنان".

ما قاله شحادة يؤيده الخبير العسكري والاستراتيجي هشام جابر الذي يشرح لبلينكس أن الجيش الإسرائيلي يسعى لاستغلال الهدنة لتنفيذ ما لم يستطع فعله خلال الحرب، من خلال تفكيك بنى تحتية عسكرية لحزب الله واحتلال نقاط عديدة.

يضيف جابر "إسرائيل تستغل عدم بدء عمل اللجنة الدولية المُشرفة على تنفيذ اتفاقية الهدنة في جنوب لبنان لتحقيق بعض الخطوات والمكاسب الميدانية على الأرض قبل الانسحاب".

من ناحيته، يقول شحادة إنّ إسرائيل تسعى لفرض أمر واقع على اللجنة التي تم تشكيلها، ويضيف "ما يحصل هو أن الجيش الإسرائيلي تقدم نحو مناطق تريدها إسرائيل، وحينما تبدأ اللجنة عملها سيقول لها إنه سيبدأ بالانسحاب من حيث هو متواجد".

ويشرح "إسرائيل تتحدّث عن أنها لم تخرق اتفاق وقف إطلاق النار وأنها تواجه حزب الله.. أريد أن أسأل: ماذا تُفسَّر عملية القصف الإسرائيلي التي طالت منطقة الهرمل في شرق لبنان يوم الإثنين ٢ ديسمبر واستهدفت جرافة تابعة للجيش اللبناني؟ الهرمل تبعد أكثر من 200 كلم عن الحدود بين لبنان وإسرائيل، فما علاقتها باتفاقية الهدنة؟ ألا يعتبر هذا الأمر خرقا فاضحا؟".

إثر إعلان وقف إطلاق النار، الأربعاء الماضي، اندفع سكان جنوب لبنان للعودة إلى منازلهم، فيما حاول مواطنون يقطنون عند المنطقة الحدودية الوصول إلى هناك رغم وجود للجيش الإسرائيلي.

ولهذا، أصدر الجيش اللبناني تحذيرات يطلب فيها من السكان عدم الذهاب إلى تلك المناطق حفاظا على سلامتهم، فيما جرى قطع الطرقات التي تؤدي إلى هناك. كذلك، فإن الجيش الإسرائيلي أطلق تحذيرات عديدة لسكان الجنوب، آخرها، الثلاثاء، مانعا إياهم من الدخول إلى المناطق الحدودية.

خطوة أهالي جنوب لبنان استفزّت إسرائيل بشدّة، ويقول شحادة إن "الرأي العام الإسرائيلي فوجئ بالعودة السريعة للسكان اللبنانيين بينما لم يتمكن سكان مستوطنات شمال إسرائيل المحاذية للبنان من فعل الأمر نفسه".

وأكمل "الأمر هذا شكل ضغطا على الحكومة الإسرائيلية وجيشها. لهذا السبب، حصلت عمليات التقدم والتوغل، وأرادت إسرائيل أن توجه رسالة إلى جمهورها عبر القول إنها ما زالت موجودة على الأرض، وأن يدها ما زالت طليقة في لبنان وإن بإمكانها استهداف أي شيء يشكل خطرا عليها. كذلك، فإن هذا الأمر يكشف عن رسالة إسرائيل للجنة وللاتفاق بأنها ستسعى للاحتفاظ بحرية الحركة ضد لبنان".

في المقابل، يعتبر النائب في البرلمان اللبناني ملحم خلف، أنّ ما تقوم به إسرائيل هو ضرب للشرعية الدولية وتكريس لـ"شريعة الغاب". ويقول خلف لبلينكس إن "إسرائيل تسعى لاستدراج لبنان إلى معركة جديدة والعمليات التي تنفذها خير دليل".

ويتابع "السؤال الأبرز وسط كل ذلك هو التالي: أين الدول التي رعت اتفاق الهدنة؟ أليست هي من تكفلت بضمان تنفيذها وعدم حصول أي اعتداءات وخروقات؟ فلتتفضل هذه الدول ولتصدق في طروحاتها ولتقم بعملها".

ينفى كلّ من جابر وشحادة في مقابلتهما مع بلينكس وجود "بند سري" في اتفاقية وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل.

من ناحيته، يقول جابر إن هذا الكلام "غير صحيح"، مشيرا إلى أن الاتفاقية واضحة وهي تحت إطار القرار الدولي 1701 الصادر عام 2006، والذي ينص على وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل.

ويضيف "لبنان ملتزم بمضمون هذا القرار، كما أن اتفاقية وقف إطلاق النار المبرمة أخيرا جاءت تطبيقا لهذا القرار ولا بنود سرية. ما يحصل هو أن إسرائيل تخرق الاتفاقات وتسعى للانقضاض على الشرعية".

أما شحادة فيقول إن أي "بنود سرية بين أميركا وإسرائيل ليست ملزمة للبنان"، وقال "بيروت أبلغت واشنطن بهذا الأمر وأكدت أن سقف اتفاقية وقف إطلاق النار هو القرار 1701 وشروطها لا تمس بالسيادة".

إلى ذلك، يقول النائب خلف إن "لبنان لا يقبل نهائيا بأي انتهاك لسيادته مهما كانت"، لكنه قال إنه "ما من أحد من النواب والكتل اطلع على مضمون الاتفاقية فيما تم تجاهل الكثيرين بشأنها"، ويضيف "ما يعنينا هو أن أي بند يمس بسيادتنا هو ساقط، وعلى الدولة اللبنانية ألا تبقى في موقع المتفرج على الانتهاكات التي تحصل.. بدلا من ذلك، على كافة المؤسسات أن تنشط وتعمل لوقف اعتداءات وتجاوزات إسرائيل، لكن لا حياة لمن تُنادي".

فعليا، فإن الخطوة التي نفذها حزب الله باتجاه الموقع الإسرائيلي في تلال كفرشوبا، تعتبر أول عملية إطلاق صواريخ من لبنان منذ بدء الهدنة.

إسرائيل ردت على هذا الأمر فاستهدفت، ليل الإثنين، منصات صواريخ وعناصر من حزب الله كما زعمت، مشيرة إلى أنها قصفت المنصة التي انطلقت منها الصواريخ نحو تلال كفرشوبا.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال، الثلاثاء، إن إسرائيل ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله، لكنه حذر من أن هذا لا يعني أن الحرب انتهت.

وذكر في بداية اجتماع لمجلس الوزراء بمدينة نهاريا على الحدود الشمالية أن حزب الله انتهك الاتفاق بشكل صارخ، الإثنين، وأن إسرائيل ردت على ذلك بمهاجمة أكثر من 20 هدفا في أنحاء لبنان.

ولكن ماذا تكشف هذه العملية وماذا تعني؟ يقول شحادة إن العملية التي حصلت لا تعتبر خرقا للقرار 1701 باعتبار أن تلال كفرشوبا ومزارع شبعا هما أراض لبنانية محتلة ولا تخضعان للقرار الدولي.

وأوضح أن الرد الذي نفذه حزب الله "معنوي وتحذيري"، كاشفا أن "حزب الله لم ينسحب حتى الآن من منطقة جنوب الليطاني"، استنادا للقرار 1701 واتفاقية الهدنة.

ويضيف "حزب الله مستعد لتنفيذ هذا الاتفاق شرط أن تقوم إسرائيل بالخطوة نفسها أيضا، إذ من غير المقبول أن يكون الالتزام من جهة واحدة فقط".