ثورة أو "ابتزاز".. ماذا يحدث في جورجيا؟

أعلن رئيس وزراء جورجيا إيراكلي كوباخيزي، في ٢٩ نوفمبر الماضي، تعليق المحادثات بين بلاده والاتحاد الأوروبي لمدة ٤ سنوات، بسبب ما وصفه بـ"الابتزاز والتلاعب" من الاتحاد الأوروبي.

القرار أثار غضب المعارضة الجورجية وقطاعات كبيرة من الشعب، ما أسفر عن احتجاجات واسعة، خاصة وأن تصريحات كوباخيزي جاءت بعد ساعات فقط من إعادة تعيينه في منصبه من جانب أعضاء حزب "الحلم الجورجي".

الحزب المثير للجدل في جورجيا فاز بالانتخابات البرلمانية الشهر الماضي، وسط اتهامات بالتزوير، وأدى إلى مقاطعة المعارضة للبرلمان، ليأتي قرار تعليق المحادثات مع الاتحاد الأوروبي ويفجر كل القنابل الموقوتة، ويشعل النيران الخامدة.

وكان الاتحاد الأوروبي قد منح جورجيا وضع الدولة المرشحة للانضمام، في ديسمبر ٢٠٢٣، واشترط قيامها بتنفيذ التوصيات المطلوبة، قبل أن يُعلق انضمامها ويُقطع الدعم المالي عنها في وقت سابق هذا العام، عقب إقرار قانون "النفوذ الأجنبي" الذي يُنظر إليه على أنه ضربة للحريات والديمقراطية.

وفي بيانه الذي أثار الغضب، قال كوباخيزي، إن بلاده ستعود لمواصلة مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حيث وضعت ذلك على جدول أعمالها في عام ٢٠٢٨.

وتسبب القرار الذي أنهى الحلم الأوروبي لدى شعب جورجيا، في اشتعال الوضع في البلد الواقع في جنوب القوقاز، إذ كان يُعد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي هدفا وطنيا قائما منذ سنوات، تم تعليقه في لحظة.

فور انتهاء كوباخيزي من إلقاء بيانه، انطلق آلاف المتظاهرين إلى الشوارع، احتجاجا على القرار، وكانت الشرطة في انتظارهم لتحدث اشتباكات بداية من ليلة ٢٩ نوفمبر.

واستخدمت الشرطة وفقا لموقع "إي بي نيوز" مدافع المياه ورذاذ الفلفل والغاز المسيل للدموع في اليوم الأول للمظاهرات، في محاولة لتفريق المتظاهرين في شوارع تبليسي، عاصمة جورجيا.

وأصدرت الشرطة بيانا أكدت أنها اعتقلت ما يزيد عن ١٠٠ شخص من المتظاهرين، بسبب القيام بأعمال عنف وشغف في شوارع العاصمة.

واشتعل الوضع في اليوم التالي للمظاهرات، عندما قرر المتظاهرون التوجه إلى البرلمان ومحاصرته ومحاولة إضرام النيران فيه، وقام البعض بتحطيم البوابات المعدنية الخارجية له.

ومع اشتعال النيران في محيط المبنى، هرعت شرطة مكافحة الشغب إلى الموقع، بمدافع المياه لدفع المتظاهرين بعيدا، ومنعهم من تدمير مبنى البرلمان أو اقتحامه، وأجبرتهم بالقوة على التراجع.

وتطورت المظاهرات إلى اشتباكات مع الشركة، واستخدمت مجموعات من المتظاهرين صناديق القمامة الكبيرة، والمقاعد العامة، لوضعها في منتصف الطريق، لمنع تقدم مركبات الشرطة التي تستهدفهم، وبناء حواجز.

وفي ميناء باتومي المطل على البحر الأسود، تصاعدت وتيرة الاشتباكات بين الشرطة والمحتجين، وسط انتقادات بسبب العنف المفرط الذي يُستخدم ضد المتظاهرين من رجال الشرطة.

في وقت تتهم خلاله المعارضة، الحكومة وحزب الحلم الجورجي، بالخضوع تحت سيطرة ونفوذ روسيا، نفى الحزب الحاكم ذلك الاتهام، وقال إنه ملتزم بالديمقراطية، وفقا لبيان نشرته "سي إن إن".

وقال الحزب الحاكم في جورجيا إن العمل على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سيستأنف، في وقت يعمل خلاله على تعميق العلاقات مع موسكو.

وفي حديث مع وكالة أسوشيتد برس، قالت سالومي زورابشفيلي رئيسة جورجيا، إنها لا تريد رؤية "جورجيا روسية"، محرومة من دستورها، ويتم التلاعب بها من حكومة وبرلمان "غير شرعيين".

وتدعم الرئيسة الجورجية التي يُعد منصبها شبه شرفي، المظاهرات ضد الحكومة التي تعتبرها غير شرعية، وكذلك البرلمان، إذ ترفض مغادرة منصبها بنهاية مدتها، حتى يتم انتخاب برلمان آخر شرعي.

وتقول الخبيرة في شؤون الأمن والصراعات في أوروبا، أوليسيا فارتانيان، في حديث لشبكة "سكاي" إن القيادة الجورجية الحالية ، أثبتت بكل وضوح ميلها نحو روسيا وليس أوروبا.

وأوضحت فاراتانيان: "انحازت الحكومة الجورجية إلى جانب روسيا، وأعتقد أن مصالح جورجيا وروسيا تكاد تكون متطابقة في الوقت الحالي".

وظهرت مخاوف من المحتجين في شوارع جورجيا، بأن ينتهي بهم الحال مثل أوكرانيا التي تعاني حربا شرسة مع روسيا منذ العام ٢٠٢٢.

وقالت متظاهرة جورجية، تدعي مارينا باتشيا: "بينما نتجه نحو أوروبا، تهددنا روسيا بالقصف، موسكو تقول لنا: لن نطعمكم ولن نساعدكم".

استغلت الرئيسة زورابيشفيلي المظاهرات الحاشدة ضد الحكومة الجورجية، وأعلنت السبت ٣٠ نوفمبر، رفضها ترك منصبها حتى تجرى انتخابات برلمانية جديدة.

وقالت زورابيشفيلي في تصريحات نقلتها صحيفة "ذا غارديان" إنها لن ترحل عن منصبها، مضيفة: "طالما ليس هناك انتخابات جديدة وبرلمان ينتخب رئيسا جديدا وفق قواعد جديد، فإن ولايتي مستمرة".

وتتهم المعارضة في جورجيا، الحكومة بتزوير انتخابات البرلمان، لكن الحكومة الجديدة تتجاهل الاتهامات، وأعلن البرلمان انتخاب رئيسا جديدا للبلاد يوم ١٤ ديسمبر المقبل، لينُصب لمدة ٥ سنوات.

ويُرشح حزب الحلم الجورجي، ميخائيل كافيلاشفيلي، لاعب كرة القدم السابق، لتولي منصب رئيس البلاد، في وقت لا تنوي خلاله زورابيشفيلي ترك مكتبها.

وبموجب التغييرات الدستورية التي فرضها الحزب ذاته عام 2017، سيتم انتخاب الرئيس من خلال مجمع انتخابي بدلا من التصويت الشعبي للمرة الأولى.

وفي ظل سيطرة حزب الحلم الجورجي على المجمع الانتخابي، فإن انتخاب كافيلاشفيلي يعتبر أمرا محسوما، الأمر الذي يغضب المعارضة والكثير من المحتجين، في وقت اعتبر خلاله رئيس الوزراء كوباخيزي، أن الاحتجاجات الحالية تهدف إلى ثورة للإطاحة بحكومته بالقوة.

ودعت الرئيسة الجورجية إلى فترة انتقالات "شرعية ومستقرة" رافضة التعامل مع البرلمان والحكومة الحاليين، مطالبة المجتمع الدولي بعدم التعامل معهم، والتوجه إليها فقط بصفتها ممثل للشعب.